يعيش العالم في أحوال متغيرة بشكل أسرع بكثير من القرن الماضي، ولم يعد هناك أي بديل عن محاولة التكيف السريع وعدم رفض الأمر الواقع، ويعتبر الفيسبوك ومواقع التواصل الإجتماعي من الأمور التي فرضت نفسها بشدة على وسائل الإعلام سواء المقروء أو المرئي أو حتى المسموع، وأصبحت كل وسيلة إعلامية تحرص على وجود منفذ أو أكثر لها على تلك الوسائل لتسهيل الوصول إلى الجمهور، لكن ماذا عن التعليم؟ وهل يمكن أن يُصبح فيسبوك وسيلة بديلة للتعليم حتى دون الفصول الدراسية أو التعليم عن بُعد؟
أثبتت الكثير من التجارب وجود فاعلية شديدة لفيسبوك لزيادة قابلية التعلم بطرق مبتكرة سواء عن بعد أو حتى عند استخدامه في الفصول الدراسية العادية، وصحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تستطع حتى الآن أن تكون محل التعليم المباشر الموجه، ولكن هذا الأمر ليس ببعيد، وسنتعرف الآن على أهم الطرق التي يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي وفيسبوك تحديدًا أن تُفيد بها العملية التعليمية وتسهيل توصيل الأفكار والمشروعات بطرق مبتكرة ومميزة.
عند تقديم أي كورس تعليمي عادةً يتم شرح المنهج بالكيفية نفسها للجميع، رغم أنه بالتأكيد بينهم الكثير من الفروق في الاهتمامات والمستويات، ولكن يمكن عن طريق فيسبوك التعرف أكثر على اهتمامات المتعلمين وإنشاء مساحات جذابة للتعلم واكتشاف طريقتهم المفضلة في حل المشكلات وبالتالي استخدام تلك المعلومات في تطوير كيفية مبتكرة لشرح المنهج التعليمي وأيضًا تسويق أهميته بالنسبة للمتعلمين.
فمن خلال معرفة شخصية كل فرد في الفصل التعليمي سواء الافتراضي أو الواقعي فإنه يمكن تسويق فائدة المنهج بشكل يجعل الإقبال عليه أكثر، وهذا الأمر يمكن تطبيقه في الكثير من المواد الدراسية أو حتى تدريبات الموظفين، فمن خلال معرفة اهتمامات كل شخص يمكن اكتشاف المدخل الأمثل له لإقناعه بأهمية حصوله على هذا المنهج التعليمي وبالتالي خلق استجابة أفضل.
اكتشف فيسبوك منذ وقت طويل أهمية التواصل لدرجة أنه أصبح بديلًا فعليًا عن التواصل العائلي ومع الأصدقاء وجهًا لوجه أو حتى الدخول على وسائل الإعلام المختلفة.. لكن ما علاقة هذا بالتعلم؟
عادةً ما يميل المدربين والمعلمين إلى إضفاء طابع رسمي على المادة العلمية أو الدراسية، في حين أن أكثر الخبرات المكتسبة والتعلم الحقيقي يأتي من التجربة المباشرة أو خارج جلسات التدريب، وإذا كنت لا تصدق فراقب نفسك الآن عند الرغبة في معرفة أي معلومة عن أي شيء فلن تتوجه إلى الكتاب ولكن ستجد نفسك متوجهًا فورًا إلى &ldquoغوغل&rdquo أو يوتيوب.
إن دور المدرس أو المدرب لا يتمثل في احتكار التعليم بل توفير فرصة حقيقية للمتعلمين لتطبيق ما يدرسونه عمليًا، ويمكن لفيسبوك مساعدتك على خلق بيئة افتراضية تشجع الطلاب على التفاعل والتعلم غير الرسمي، وتوفر مراقبة تلك الاتصالات فرصة حقيقية للمعلم لمعرفة دور كل طالب واهتماماته وطريقة تطبيقه للمواد الدراسية التي تمت دراستها.
من خلال فيسبوك لايف Facebook Live يمكن للمدرس أو المدرب تسجيل مقاطع فيديو وإتاحتها للطلاب لإعادتها أكثر من مرة بعد المدرسة أو جلسة التدريب، وهذا يتيح المزيد من التركيز وخصوصًا للطلاب الذين تمنعهم ظروفهم من التواجد اليومي، وحتى الذين حضروا الدرس المباشر فيمكن لهذه الفيديوهات أن تكون مرجعًا تعليميًا مهمًا حتى أثناء الاختبارات أو خلال العام الدراسي.
كما يمكن للمعلم أيضًا انتقاء فيديوهات مفيدة للمادة الدارسية التي يقوم بشرحها ومشاركتها مع الطلاب وتبادل الرأي معهم في مجموعات، فهذا قد لا يكون متاحًا في الفصول الدراسية ويوفر وقتًا طويلًا في توصيل المادة إلى المتدربين أو الطلاب.
وهي تكون وسيلة فعالة أكثر لتقييم أداء المعلمين أو حتى معرفة مدى استيعاب التلاميذ للدروس أو المواد التي يفضلونها أكثر أو أي شيء يرغب المسؤول عن التعليم في قياسه، فبدلًا من إضاعة الوقت في نشر استطلاع ورقي فيمكن من خلال فيسبوك السؤال عن أي شيء وتجميع الإجابات في وقت قليل للغاية والاستفادة منها بعد ذلك في تطوير كيفية الشرح أو تبسيط المادة الدراسية.
يعتبر فيسبوك وسيلة مثالية للتواصل مع الطلبة والمعلمين في جميع أنحاء العالم لمعرفة أحدث الطرق في شرح المادة الدراسية أو وجود تدريب معين، فمن خلال تكليف المدرس للطلاب بإجراء حوار مع شخص في دولة أخرى ومعرفة طرق الشرح المختلفة أو حتى توفير مجموعات للطلبة الأجانب أو من دول مختلفة يتيح تجربة تعليمية مختلفة تمامًا، فلا تعتمد فقط على المادة الدراسية الجافة مما يطور مستوى التعليم على كل المستويات سواء الطالب أو المعلم.
يمكن من خلال فيسبوك توفير مجموعات للتعاون والمناقشة سواء بين الطلاب أو الآباء والمعلمين، فيمكن للمعلم طلب رأي الآباء والطلبة في نشاط معين يرغب في تقديمه خلال شرح المادة الدراسية ويطلب تعاونهم، كما يمكن تنفيذ ورش عمل، أو الاشتراك في مجموعات متخصصة بكل مادة دراسية مثل المتحدثين الأصليين باللغات الأجنبية، أو مجموعة لتدريس المواد العلمية، أو حتى مجموعات تعليم الكتابة أو الرسم وغيرها، وكلما كان الفصل بأكمله مشاركًا في المجموعة نفسها كلما أمكن مناقشة الأفكار وتطوير كيفية التعليم.
الكثير من الطلاب يعانون من الخجل من طرح أفكارهم على الملأ في الفصل الدراسي، أو حتى لا يكون الوقت متاحًا لذلك أثناء الدرس، لذا توفير قناة للنقاش والمشاركة يكسر حاجز الخجل بين الطالب والمعلم ويُخرج الطلاب الصامتين عن صمتهم ويكونون في بيئة أكثر ألفة لإخراج كل أفكارهم بحرية، كما يمكن من خلاله المشاركة في مشاريع علمية وتوفير وقت الانتقالات، كما يمكن عرض الأفكار الإبداعية بسهولة أكبر. كما أنه يتيح أيضًا المساعدة في فهم الواجبات المنزلية من خلال معرفة أوجه الصعوبة وشرحها من جديد أو بكيفية مختلفة بدلًا من الانتقال بين المنازل.
وفي النهاية صحيح أن فيسبوك عليه الكثير من المحاذير في مجال الإعلام على اعتبار أنه يسمح بانتشار الأخبار المزيفة، ولكن يمكن السيطرة إلى حد كبير على هذا الأمر في التعليم، فمن خلال إشراف المعلم أو المدرب على المواد التي يتناقلها الطلاب يمكن أن يصحح باستمرار المفاهيم الخاطئة ويعلمهم طريقة التفرقة بين الأخبار الصحيحة والمزيفة.