"ملوك الأسرة السادسة للفراعنة: الملك الفرعوني بيبي الأول (2377 – 2402 ق.م.): خلفاء الملك ببي الأول: ملوك الأسرة السادسة للفراعنة:
ذكر مانيتون عن هذه الأسرة أنَّ أصلها من منف، وهذا مُحتمل جداً إذ كُلما تقدمت الأبحاث الأثرية كُلما ازددنا اقتناعاً به؛ لأننا نلاحظ في أعمال مؤسسها اتجاهاً صريحاً نحو الإعلاء من شأن يتاح إله مدينة منف وتقريب كهنته والانصراف عن كهنة الشمس، فهل قامت في مصر في عهد آخر ملوك الأسرة الخامسة حركة ضد نفوذ كهنة الشمس، وكان القائمون بها من أهل منف الذين أخذ نجم إلههم يعلو مع ازدياد قوتهم السياسية ووصولهم إلى العرش؟. ولن نستطيع الإجابة برأي قاطع على هذا التساؤلات طالما لا تظهر في الاكتشافات الأثرية وثائق جديدة تُنير أمامنا الطريق أكثر مما لدينا الآن.
كان مركز حكم هذه الأسرة كمن سبقها من الأسرات مُنذ الأسرة الثالثة على الأقل في العاصمة أي في منف، وكان أول ملوكها (تتي)، وقد دُفِنَ في هرمه الذي شيده في سقارة. ويذكر لنا مانيتون أنه لم يمت ميتة طبيعية بل قتله حراسه، وربما كان ذلك صحيحاً، لأن مؤسسي الحكم الجديد يكونون مُعرضين دائماً لانتقام من نحوهم عن السلطان وأبعدوهم عن مكان الصدارة، ويعززه أنَّ من جاء بعده على العرش وهو الملك (أوسر كارع)، لم يبق في الحكم إلا سنوات قليلة ولم يكد يخلف وراءه آثاراً في البلاد.
ولأمر ما أسقطته النقوش القديمة التي تلت هذه الفترة، إذ ربما كان من البيت المالك القديم، استعاد عرش أسرته ولكنه غلب بعد ذلك على أمره فلمّا ستتب الأمر للملك (بيبي الأول)، لم يجرؤ الموظفون على ذكره إذ اعتبروه مغتصباً خارجاً على السلطة الشرعية، ففي تاريخ حياة (وني)، أعظم شخصيات ذلك العهد نراه يذكره كيف بدأ حياته في عهد (تتي)، عندما كان طفلاً صغيراً يتمنطق بحزامه ويذكر الوظائف التي تولاها في شبابه.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى عهد (بيبي الأول)، الذي عاصر كل سني حكمه ثم امتد به العمر بعد ذلك. نرى (وني)، ينتقل مباشرة إلى عهد (ييي)، دون إشارة إلى حكم من جلس قبله على العرش، ولم يكن يجرؤ على إسقاط ذلك الملك لو لم يكن مُتأكداً أنَّ في ذلك إرضاء للعائلة الذي حاز على ثقة ملوكها وربي في نعمائهم.
الملك الفرعوني بيبي الأول (2377 – 2402 ق.م.):
انتشل بيبي الأول بلاده مما كانت فيه وتمتعت مصر خلال الخمسة وعشرين عاماً التي حكمها بعصر زاهر، ارتقت فيه الفنون وعادت مصر مرة ثانية إلى صلتها بمن جاورها من الأمم، ويكفي الإنسان أنّ يرى تمثاله الكبير المصنوع من النحاس في متحف القاهرة أو تماثيله الأخرى في غيره من المتاحف وبخاصة تلك التماثيل المصنوعة من المرمر في متحف بروكلين في نيويورك، أو يزور معبده في سقارة القبلية على مقربة من مصطبة فرعون، ويُمّتع طرفه بجمال نقوشه ليدرك أنَّ المستوى العظيم الذي وصلت إليه النقوش بين أيام إسيسي في الأسرة الخامسة والملك (تتي)، في الأسرة السادسة ظل عالياً.
وليس ما يُعرف حتى الآن الصلة الحقة التي تربط بين هذا الملك وبين (تتي)، مؤسس الأسرة، ولكنا نعرف أنَّ حياته العائلية لم تكن في مُستهل حياته خالية من المؤامرات إذ يذكر لنا (وني)، الذي أشرنا إليه أنَّ هذا الملك عينه ليكون بين المحققين مع زوجته لثقته فيه، ولكنا لا نعرف على وجه التحديد ما هي المؤامرة التي حوكمت هذه الملكة من أجلها.
في جميع الأحوال بعد مُحاكمة الملكة (إمتس)، أراد أنّ يوطد مركزه في البلاد فالتجأ إلى سياسة جديدة وهي مُصاهرته لإحدى العائلات القوية في الصعيد فاتخذ ابنة أمير منطقة أبيدوس ونجع حمادي زوجة له وأصبحت أماً لابنه (مري إن رع)، الذي تولى الحكم من بعده، ثم تزوج أيضاً من أخت لها ورزق منها بابن آخر تولى الملك وهو طفل بعد موت أخيه.
وكان من بين الأعمال التي سجلها (وني)، في تاريخ حياته في عهد (ييي الأول)، تلك الحملات التي جمع (وني)، رجالها من جميع أنحاء الصعيد، وقبائل النوبة وفي إحداها تعاون الأسطول مع الجيش على قهر أولئك الذين هددوا مصالح مصر في فلسطين في ذلك العهد.
خلفاء الملك ببي الأول:
كان (مرنرع)، (مري إن رع)، طفلاً صغيراً عندما مات أبوه، إذ أنه بالرغم من جلوسه على العرش نحو عشر سنوات فقد كان عند وفاته شاباً يافعاً لم يبلغ الحلم إذ كانت تتدلى خصلة من الشعر على جانب رأس موميائه التي عثر عليها في هرمه. وتكاد معلوماتنا عن عصر هذا الملك تنحصر فيما أمدتنا به لوحة (وني)، التي ذكرت الأعمال التي كلفه بها وكان آخر عمل قام به هو حفر لخمس قنوات في صخور الشلال عند أسوان لتسهيل الاتصال بين مصر والبلاد الواقعة إلى الجنوب منها، إذ أصبحت سياسة الأسرة السادسة هي الاتصال بالجنوب وإرسال قواد الحملات لاستكشاف تلك البلاد وإحضار خيراتها.
وبعد وفاة (مرنرع الأول)، تولى الملك أخوه الطفل (ييي الثاني)، وقد ذكر مانيتون أنه حكم أربعة وتسعين عاماً وأنه جلس على العرش وعمره (6) سنوات. وكانت أمه مُنذ بداية حكمه وصية عليه، وكان خاله الأمير (زاو)، الذي أصبح وزيراً له صاحب النفوذ الأول في البلاد. وقد أقامت هذه العائلة مقابرها منحوتة في الصخر في المنطقة المعروفة باسم القصر والصياد على مقربة من نجع حمادي في محافظة قنا. وربما كان أشهر ما تم من أعمال في السنوات الأولى من حكم هذا الملك تلك الحملات التي كان يُرسلها إلى الجنوب تحت إمرة حكام الفنتين.
لقد ضعفت سلطة الملوك بازدياد نفوذ حكام الأقاليم الذين أصبح كل منهم أميراً حاكماً في مقاطعته لا يكاد يربطه بالعرش إلا خيط واهن ضعيف من الولاء. وفي مثل تلك الظروف وعندما تتفكك عري السلطة المركزية تزداد الأعباء على كاهل الحكومة فتتعطل المشروعات العامة ويُحاول كل موظف من الموظفين أنّ يثري ويجمع ما يستطيع جمعه من الثروة، فتتكدس الأعباء والمظالم على كاهل الفلاح المسكين الذين يصبح فريسة لكل من هب ودب من الأغنياء أو من موظفي الحكومة.
ومن سوء الأحوال أنَّ العمر امتد بذلك الملك الضعيف فازداد انهيار البلاد واشتدت المظالم وعندما فاض الكيل شبت ثورة عاتية في البلاد، ثورة على العرش وعلى الحكام وعلى الآلهة. وتولى الحكم في آخر أيام هذه الأسرة اثنان وكان أولهما يُسمى (مري إن رع الثاني)، وقد حكم سنة واحدة ثم جلست على العرش امرأة وهي (نيت إقرت)، التي ذكرها مانيتون باسم (نيتوكريس)، فلم تبق إلا عامين ثم عمت الفوضى وانتهت أيام الأسرة السادسة وأيام الدولة القديمة.
ذلك هو مختصر التاريخ السياسي لهذه الأسرة، ولن يكون العرض لتاريخ هذه الأسرة صحيحاً إلا إذا تم التحدث بشيء من التفصيل عن ثلاثة مواضيع أولها تاريخ حياة القائد (وني)، وكثيراً ما يذكر في بعض كتب التاريخ والآثار تحت اسم (أوني)، وهو الأقدم والأكثر شهرة لهذا الاسم الذي لعب الدور الأكبر في تاريخ البلاد في أيامه وثانيها موضوع الرحالة الذين ذهبوا إلى السودان، ثم الحديث عن تلك الثورة الاجتماعية التي هب فيها الشعب لينتقم لنفسه ممن ساموا الظلم والاضطهاد.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.