ملوك الأسرة الرابعة للفراعنة

الكاتب: سامي -
ملوك الأسرة الرابعة للفراعنة
ملوك الأسرة الرابعة للفراعنة:
الملك سنفرو (2680 – 2656 ق.م.):
هرما سنفرو في دهشور:
ملوك الأسرة الرابعة للفراعنة:

 

كانت فترة حكم الأسرة الثالثة 100 سنة على الأغلب، وقد تكونت بعهد مزدهر وهو عهد زوسر، ولكن سرعان ما توقفت تلك النهضة ولم تتابع تقدمها على الصورة التي كنا نتوقعها. فقد رأينا كيف عرفت مصر تشييد الهرم المدرج، ومضت عليها عشرات السنين بعد ذلك فلم تخط الخطوة التالية وهي معرفة بناء الهرم الكامل.

 

بقيت مصر فترة قد تصل إلى أربعمئة سنة، وهي تبنى مقابر ملوكها في الأسرتين الأولى والثانية على شكل مصاطب مستطيلة الشكل حتى ولد معماري نابغ وهو إيمحوتب، فارتفع بقبر الملك وجعل منه هرماً مدرجاً. وظل تجديد إيمحوتب مثلاً أعلى مدة تقرب من قرن كامل حتى انتهت أيام الأسرة الثالثة وبدأت الأسرة الرابعة.

 

وليس من مقدورنا حتى الآن معرفة العوامل أو الظروف التي سببت إلى ظروف الأسرة الرابعة، كما تعوزنا أيضاً المعلومات الضرورية لتجديد صلة مؤسس الأسرة الرابعة آخر ملوك الأسرة الثالثة بالرغم من أننا متأكدون أنها لم تكن صلة عداء، بل ريما كانت صلة مودة وقربى لاعتناء سنفرو بإتمام هرمه ومعبده في ميدوم. وكما رأينا تلك الوثبة الكبيرة في جميع النواحي الحضارية عند ظهور الأسرة الثالثة، فإننا نرى أيضأ وثبة أخرى عند ظهور الأسرة الرابعة، ولنتحدث الآن عن مؤسسها.

 

الملك سنفرو (2680 – 2656 ق.م.):

 

جرت عادات الزواج سنفرو من الأميرة (حتب حرس)، (ومن المعروف أنها بنت حوني)، وهي الفتاة التي تحمل في أصولها أحقية بوراثة العرش، وبذلك أضحى مركزه موثوقاً في البلاد. ونحن نعرف أنَّ أمه كانت تُسمى (مرس عنخ)،‏ وأنها كانت مدفونة في ميدوم، ولكنا لا نعرف على وجه التأكيد صلته بحوني آخر ملوك تلك الأسرة، ولو أنَّ بعض الباحثين في التاريخ المصري يريدون أنّ يروا بينهما إحدى صلات القربى.

 

ومن دراسة حجر بالرمو نعرف الكثير عن نشاط هذا الملك، ونعرف العدد الكبير من القصور والمعابد التي أقامها في البلاد، كما نعرف أيضأً أنه أرسل أسطولاً بحرياً يتكون من (40) سفينة لإحضار كُتل من أخشاب شجر الأرز من جبال لبنان، قد بقى حتى الآن كثير من تلك الأخشاب داخل هرمه القبلي في دهشور، وما زالت تلك الأخشاب في حالة جيدة حتى الآن، وما زالت تؤدي المهمة التي أقيمت من أجلها مثل تثبيت بعض الأحجار أو سندها في أماكنها رغم مضى أكثر من أربعة آلاف وستمائة سنة.

 

اشتهر سنفرو أيضاً بقياداته التي بعثها إلى بلاد النوبة في الجنوب ليعيد الأمن والطمأنينة إلى حدود مصر الجنوبية، وقد عاد جيشه بسبعة آلاف من الأسرى ومائتي ألف رأس من الثيران والأغنام.

 

ولم يقف نشاطه عند ذلك الحد بل نراه أيضاً يرسل حملات التعدين إلى شبه جزيرة سينا، وقد خلف رجاله ذكرى تلك الحملات على صخور جيل المغارة على مقربة من مناجم النحاس والفيروز في تلك المنطقة. وبالرغم من أنَّ سنفرو لم يكن أول ملك استغل مناجم سينا أو أرسل حملات لتأديب الخارجين على القانون من البدو، فإن الأجيال التالية اعتبرته إلهاً حامياً للمنطقة إلى جانب المعبودين (حتحور‏)، والإله ‏ (سويد)، لأنَّ أعماله في تأمين حدود مصر الشرقية وما قام به من تحصينات هناك أصبح المثل الذي يُحتذى به. وفي أحد النصوص التي كتبت هناك بعد وفاته بما يقرب من ألف سنة يفتخر أحد الملوك بأعماله هناك، ويؤكد لنا بأنه لم يقم أحد بمثل ما قام به منذ أيام سنفرو.

 

وسرعان ما عملت سياسته في التوسع التجاري مع الشاطىء السوري والنوبة واستغلال المعادن مع تنظيم الأمور الداخلية في البلاد بأحسن النتائج، وبدأت في مصر نهضة عامة كان أوضحها أثراً ذلك التقدم الذي نراه ظاهراً في الحياة الاجتماعية للشعب بوجه عام وفي الفنون بوجه خاص ومن بينها فن العمارة.

 

هرما سنفرو في دهشور:

 

أنشأ هذا الملك قبره الملكي على مقربة من العاصمة،‏ وعمل المشرفون على بناء ذلك القبر بأن يجعلوه هرماً كاملاً، وأن يكون أعظم من أي أثر آخر بُنِيَ في مصر قبل أيامه سواء في حجم الجزء الظاهر للناس أو في ممراته الداخلية وردهاته. وبدأوا بناء الجزء الأسفل من الهرم،‏ وأتموا تشييد جميع ممراته الداخلية، وجعلوا له مدخلاً في منتصف الواجهة الشمالية كغيره من الأهرام المدرجة التي بُنِيت قبله،‏ ويؤدي هذا المدخل إلى دهليز طويل ينحدر إلى أسفل ثم ينتهي بدهليز آخر ثم حجرة للدفن.

 

وقد تم الكشف في عام (1951)، أثناء أبحاثنا داخل هذا الهرم عن مدخل آخر في الناحية الغربية وبذلك يتميز هذا الهرم بأنه وحده من بين أهرام مصر جميعاً له مدخلان في واجهتين مختلفتين له. وارتفع بناء الهرم بزاوية تزيد قليلاً عن أربعة وخمسين درجة حتى وصل ارتفاع البناء إلى (48.07) متراً، وعند ذلك تغير التصميم الأصلي فنراهم يغيرون زاوية البناء إلى ثلاث وأربعين درجة وواحد وعشرين دقيقة فقط، فلما تم البناء أصبح شكله غير مُنتظم لتغيير الزاوية وكأنه هرم كامل فوق هرم ناقص، ارتفاعه الكلي (101.15)‏ متراً، أما طول ضلع قاعدته المربعة فهو (188.60) متراً.

 

وإذا أردنا البحث عن تفسير عملي معقول لتغيير زاوية بناء هذا الهرم لما وجدنا إلا تفسيراً واحداً، وهو أن زاوية (54) درجة كانت كبيرة جداً، وقدر المهندسون المعماريون أنَّ ارتفاع الهرم سيكون كبيراً، وربما سبب ذلك ما يؤثر على سلامة البناء، خصوصاً وأنه قد بدأت تظهر بعض تشققات عالجوها بملكها بالجبس. كانت هذه المحاولة أولى تجارب المصريين في بناء الهرم الحقيقي كما نعرفه، وكان هرم دهشور القبلي، المدرسة التي درسوا فيها هندسة تشييد هرم آخر لسنفرو على بُعد يقل من كيلو مترين إلى الشمال منه، وجعلوا زاوية ميله مماثلة تقريباً لزاوية ميل الجزء العلوي من الهرم القبلي، أي ثلاثة وأربعين درجة ثانية.

 

قاموا أيضاً بتحسين آخر إذ اقتصروا على المدخل الذي في الناحية الشمالية فقط، وبدلاً من أن يؤدي إلى حجرة واحدة نراه يؤدي إلى حجرات ثلاث واحدة بعد الأخرى. وارتفاع الهرم البحري وهو أول هرم حقيقي في تاريخ العمارة المصرية (99) متراً وطول كل ضلع من قاعدته المربعة (220) متراً، أي لا يقل إلا نحو عشرة أمتار عن ضلع هرم الجيزة الأكبر.

 

وهنا يجدر بنا أنّ نقف لنتساءل في أي الهرمين دفن الملك سنفرو وأصبح المقر الأبدي لجثمانه؟ يُعتقد عتقد أنه دفن في الهرم القبلي إذ نراهم قد أتموا جميع الأجزاء المتممة له، فبنوا في الناحية الجنوبية منه ذلك الهرم الصغير الذي أراد أنّ يُسميه بعض الأثريين هرم الروح أو هرم الطقوس، ولكنا لا نعرف تماماً ماذا كانت وظيفته ولسنا متأكدين من شيء يختص به إلا من أنه لم يستخدم للدفن بل ربما كان مقاماً للقيام بشعائر خاصة متصلة بتقديم القرابين.

 

وأقاموا حول الهرم جداراً ضخماً من الحجر وبنوا في اتجاه الشرقي منه معبداً جنازياً صغيراً يشبه معبد هرم ميدوم، كما بنوا طريقاً يوصل من الناحية الشمالية من الجدار إلى الوادي، واتجهوا به نحو الشرق حيث شيدوا هناك معبداً كبيراً على مسافة تزيد على سبعمائة متر من الهرم غطوا جزءاً كبيراً من جدرانه بنقوش تُمثل الملك سنفرو وهو يقوم ببعض الطقوس الدينية المعروفة وأهمها مناظر من العيد الثلاثيني، ومناظر تمثل زيارته للهياكل في عاصمتي الشمال والجنوب (بوتو ونخن).

 

كما نشاهد فيه أيضاً تضاريس تمثل أقاليم مصر وأهم بلادها في ذلك الوقت التي كان يمتلك فيها سنفرو ضيعة من ضياعه ورمزوا لكل منها بسيدة تحمل القرابين، وكتبوا أمامها اسم البلد أو الإقليم مرتبة ترتيباً طوبوغرافياً من الجنوب للشمال مما ساعد على تحديد أمكنتها الحالية. وظهرت في حفائر ذلك المعبد بين أعوام (1951 – 1953)، بعض تماثيل مهشمة للملك سنفرو وعدد كبير من تماثيل كهنة المعبد في أيام الدولتين القديمة والوسطى إذ كان هذا المعبد قائماً ولم تمتد إليه يد التخريب إلا في الدولة الحديثة.

 

وإلى الشرق من الهرم البحري تكونت مقابر عائلة سنفرو، ومن بينهم بعض أبنائه وبناته وهي معروفة مُنذ أكثر من ستين سنة، كما انتشرت أيضاً مقابر كثيرين من كهنته وموظفيه، سواء في أيامه أو فيما تلا ذلك من عصور. وما زال عدد كبير من تلك المصاطب والجبانات ينتظر الحفر. ولم يتمكن حتى الآن من حفر المنطقة الواقعة حول الهرم البحري حتى يستطيع القول إنّ كان له هو الآخر معبد جنازي إلى الشرق منه ومعبد في الوادي، أو أنَّ المصريين القدماء اقتصروا على معبدي الهرم القبلي.

 

على أي حال فهناك حقائق مُهمة وهي أنَّ النقوش القديمة تتكلم دائماً عن هرم سنفرو، وتتكلم عن المدينة التي كانت مركزاً تقسيم ممتلكات هذين الهرمين، كما أنه لدينا معرفة أيضاً بأنَّ المصريين في الأسرة الثانية عشرة الهوا سنفروا فأصبح واحداً من الآلهة يذكرونه ويقدمون له القرابين جنب إلى جنب مع الآلهة الأخرى مثل أوزيريس ورع وسوكر ويتاح وغيرهم.

 

وقبل أنّ نرجع إلى الحديث عن سنفرو سنقوم بتذكير شيئاً قليلاً عما بلغه الفن في أيامه،‏ إذ يكفي أن يلقي الإنسان نظرة على نقوش معبده أو على نقوش المقابر التي شيدت في عصره سواء في منطقة دهشور أو في ميدوم ليدرك مدى ما بلغه فن لنحت سواء في النقوش البارزة أو في الرسم بالألوان، إذ وصل الفنان المصري في عهد سنفرو إلى حد لم يستطع أن يتفوق عليه في العصور التالية إلا في حالات قليلة.

شارك المقالة:
212 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع
youtubbe twitter linkden facebook