ما هو الثابت الكهربائي؟ ولماذا يجب أن تهتم لأمره؟
القوة بين الشحنات الكهربائية هي أمر جلل. فبدونها، سيكون الكون مجرد حساء بدائي ولن يكون لك وجود. وهذه القوة يحددها الثابت الكهربائي.
من الممتع التفكير في الثوابت الفيزيائية الأساسية. هذه قيم خاصة نستخدمها في نماذجنا للكون المادي، وتشمل أشياء مثل سرعة الضوء، وثابت الجاذبية، وثابت بلانك. وهي "أساسية" بمعنى أننا لا نستطيع اشتقاقها نظريًا، بل يمكننا قياسها فقط.
نحن نستخدم هذه الثوابت في حل المسائل الفيزيائية طوال الوقت، لذلك من السهل أن نعتبرها من المسلمات. ولكن، لماذا توجد مثل هذه الأرقام في الطبيعة، ولماذا تتخذ هذه القيم المحددة بالذات؟ فلو كانت مختلفة قليلًا، قد يكون الكون غير قادر على دعم الحياة. هل قام صانع ساعات كوني بتعيين هذه المعلمات؟ هذا ما اعتقده إسحاق نيوتن.
أحد أبسط هذه الأرقام هو الثابت الكهربائي، ويرمز له بالرمز k. وهو قيمة تتيح لنا حساب القوى بين الشحنات الكهربائية. هذا أمر بالغ الأهمية عندما تفكر في أن كل المادة تتكون من ثلاثة أشياء فقط — الإلكترونات، والنيوترونات، والبروتونات، اثنان منها لهما شحنة كهربائية. التفاعل بين الإلكترونات هو ما يشكل الجزيئات ليخلقك ويخلق كل شيء من حولك. وإلا، لكان كل شيء مجرد حساء غير متمايز.
ولكن كيف نعرف قيمة الثابت الكهربائي؟ وما علاقته بالثوابت الأساسية الأخرى؟ وهل هو أساسي حقًا؟ دعنا نحقق في الأمر.
قانون كولوم والثابت
عندما نقول إن شيئًا ما له شحنة كهربائية، فإننا نعني أن لديه عددًا مختلفًا من البروتونات والإلكترونات. فإذا اكتسبت جواربك إلكترونات، فستصبح سالبة الشحنة، وإذا فقدتها، ستصبح موجبة الشحنة.
إذا كان لديك جسمان لهما شحنتان متعاكستان، فإنهما يتجاذبان. وإذا كان لهما نفس الشحنة، فإنهما يتنافران.
كلما صغرت المسافة بين الجسمين، زادت قوة التنافر أو التجاذب. وإذا زادت الشحنة على أي منهما (أو كليهما)، ستزداد القوة أيضًا. في عام 1785، وضع شارل أوغسطين دي كولوم نموذجًا لهذه القوة الكهروستاتيكية، لذلك نطلق عليه قانون كولوم. هذه معادلة شهيرة يتعلمها كل طالب فيزياء وكيمياء. وتبدو هكذا:
F = k * (q1 * q2) / r²
هنا، F هي القوة بالنيوتن، q1 و q2 هما قيمتا الشحنتين بوحدة الكولوم، و r هي المسافة بينهما. ولكي نحصل على القوة بالنيوتن، نحتاج إلى ثابت تناسب — وهذا هو k — الثابت الكهربائي، المعروف أيضًا باسم ثابت كولوم. قيمته هي:
k = 8.987 × 10⁹ نيوتن.متر²/كولوم².
هذا رقم ضخم، ويُظهر مدى قوة التفاعلات الكهربائية — فهي في الواقع أقوى بكثير من التفاعلات الجاذبية.
كيف توصل كولوم إلى قانونه؟
للتوصل إلى هذا القانون، صنع كولوم أداة تسمى ميزان اللي (Torsion Balance). ثم قام بشحن كرتين معدنيتين صغيرتين بشحنتين متشابهتين بحيث تتنافران، وقاس مقدار انحراف القضيب. بعد ذلك، لتغيير الشحنات، أخذ إحدى الكرتين ولمسها بكرة مماثلة غير مشحونة، مما قلل شحنتها إلى النصف، وأعاد قياس الانحراف.
أظهر هذا أن القوة الكهربائية (F) تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب الشحنتين (q1q2). ثم، من خلال تغيير المسافة بين الكرتين، وجد أن F تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة (r²).
لكن كيف وجد الرقم السحري k؟ قد لا تعجبك هذه الإجابة، لكن كولوم لم يكن يعرف قيمة ثابت كولوم — مما يعني أنه لم يستطع تحديد مقدار القوة الكهربائية (F) كميًا. كل ما كان يمكنه قوله هو أن كل شيء يتناسب. كانت مشكلته أنه لم تكن هناك طريقة في ذلك الوقت لقياس الشحنات الكهربائية.
ولكن من خلال إجراء تجارب مماثلة مع مرور الوقت، توصل العلماء اللاحقون تدريجيًا إلى قيمة الثابت الكهربائي التي نعرفها اليوم.
سماحية الفراغ (Permittivity of Free Space)
يمكننا التوقف هنا، لكن العلم لا يتوقف أبدًا. اتضح أن هناك ثابتًا آخر مرتبطًا بثابت كولوم. نطلق عليه "سماحية الفراغ" (ε₀). وهو يخبرنا بمدى صعوبة إنشاء مجال كهربائي في الفراغ. قيمة ε₀ أصغر، أو سماحية أقل، تعني أنك ستحصل على مجال كهربائي أكبر من نفس الشحنة.
بهذا الثابت، يمكننا إعادة كتابة قانون كولوم على النحو التالي:
F = (1 / 4πε₀) * (q1 * q2) / r²
كل ما فعلناه هو استبدال k بـ ¼πε₀، حيث ε₀ = 8.854 × 10⁻¹² كولوم²/(نيوتن.متر²). قد يبدو هذا تغييرًا لا طائل من ورائه، لكنه يتيح لنا القيام بشيء رائع: يمكننا إنشاء علاقات مع ثوابت أساسية أخرى. على وجه الخصوص، هناك علاقة رائعة جدًا بين السماحية (ε₀) وسرعة الضوء (c).
c² = 1 / (ε₀ * μ₀)
هنا، الحرف اليوناني μ₀ هو الثابت المغناطيسي، المعروف أيضًا باسم نفاذية الفراغ (Permeability of Free Space). كلا الثابتين موجودان في المعادلة لأن الضوء هو موجة كهرومغناطيسية.
تذكر عندما قلت في البداية إن الثوابت الفيزيائية "أساسية" — لا يمكن اشتقاقها، بل قياسها فقط؟ حسنًا، كما ترى، لم يكن ذلك صحيحًا تمامًا. المعادلة أعلاه تضع قيدًا على هذه الثوابت الثلاثة، لذلك نحتاج فقط إلى قياس اثنين منها، ثم يمكننا حساب الثالث. إذا عرفنا سرعة الضوء والنفاذية، يمكننا اشتقاق السماحية، وبالتالي الثابت الكهربائي k.