فترة إمرة الأمراء: استحداث منصب إمرة الأمراء: فترة إمرة الأمراء:
تميزت هذه الفترة بالاضطرابات، وعدم الهدوء والاستقرار والسبب الرئيسي هو عدم توفر الأموال للدوافع رواتب الجند، وشغب الجند لم يقتصر على الخلفاء بل تعداه إلى الوزراء وضد قادتهم بالذات إذ كانوا يشعرون أنهم قد استأثروا بالأموال دونهم.
وبسبب هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة، وعدم قدرة الوزراء إجراء موازنة على الأقل بين الإنتاج والاستهلاك اضطر الخليفة إلى البحث عن حل عليه يُجد مُبتغاه فيه، فتكون منصب أمير الأمراء، وقد تم العقد بين الخليفة الراضي بالله (322 – 329 هجري)، وبين ابن رائق التركي سنة (324 هجري)، أنْ يسند إليه منصب أمير الأمراء، لقاء القيام بتوفير نفقات الدولة والجيش. وباستحداث هذا المنصب فقد منصب الوزارة أهميته، وعلت مرتبة أمير الأمراء على منصب الوزير، حيث بطل (منذ يومئذ أمر الوزارة، فلم يكن الوزير ينظر في شيء، من أمر النواحي ولا الدواوين ولا الأعمال، ولا كان له غير اسم الوزارة فقط).
الواقع أنْ سار الخليفة الراضي إلى ابن رائق كان سيره مدروساً، فابن الرائق كان الحاكم على ميادين البصرة وواسط وكان له ممتلكات مالية كثيره أنتجها من هاتين المنطقتين الغنيتين، كما أنَّ الخلافة العباسية شهدت مُنذ سنوات قليلة قيل سنة (324 هجري)، أزمة إدارية ومالية حادة، فالخليفة الراضي استوزر خلال سنتين فقط أربعة وزراء هم: محمد بن علي بن الحسن بن مقلة الذي أغرى الجند الساجية بالأموال الكثير لكنه فشل في حل المشكلة المالية مما أدى به إلى أن يكون ضحية إذ قبض عليه الغلمان الحجرية سنة (324 هجري).
وأعقبه عبد الرحمن بن عيسى الذي عجز عن تمشية الأمور فاحتاج إلى الأموال وطب قرضاً من الخليفة ولكن نهايته كانت العزل أيضاً، وجاء بعده الكرخي الذي فشل هو الآخر في السيطرة على الأزمة المالية لاسيما بعد انقطاع الموارد فانتهى أمره بالعزل، وجاء بعده سليمان بن الحسن بن مخلد، وكانت أيام وزارته قصيرة أيضاً كالوزراء السابقين.
فكان لا مفر للراضي بالله أنْ يبحث عن قوة تتمكن من السيطرة على الأمور وسد أفواه الجنود الحجرية والساجية فكان أمام عدة خيارات: إما أن يستدعي الحمدانيين وهم القوة العربية المتنفذة في الموصل والجزيرة، وكانوا يبذلون قصارى جهودهم في المجال العسكري الثغري وصد هجمات البيزنطيين، وإما أن يستنجد بالبريديين الذين صاروا قوة لا يستهان بهاء وكانت لهم السيطرة على الأحواز وكانوا يطمعون في التغلب على البصرة، لكن الخليفة كان لا يميل إليهم لِمَا عرفوا به من اغتنام الفرص لصالحهم، لذلك توجه إلى ابن رائق.
ولم يكن الخليفة الراضي سعيداً لتنفيذ أمير الأمراء الأجنبي في أمور الدولة، فيذكر أنَّ مؤدبه أبا الحسن العروضي دخل عليه في إحدى المُناسبات فوجده مغموماً من تحكم أمير الأمراء بجكم وكان في يده دينار قيمته حوالي عشرة دراهم وكان عليها صورة بجكم التركي وهو منتقب سلاحه، وكان مكتوب على جانبي الدينار والدرهم البيت التالي: (العز للأمير المعظم فاعلموا أن سيد الناس بجكم).
استحداث منصب إمرة الأمراء:
كان أمير الأمراء لم ينجح في حل الأزمة المالية والسيطرة على الاضطرابات ونزاعات الجند المتكررة، والأمراك والديالمة، ففي السنة التي تسلم فيها ابن رائق المنصب شغب الجند الحجرية في بغداد وحاصروا دار الخلافة، ولم يهدأ الشغب إلا بعد أنْ أرسل ابن رائق القواد ضدهم وقلد لؤلؤ الشرطة.
وبعد سنة واحدة أي (325 هجري)، شغب الحجرية أيضاً على ابن رائق عندما كان في طريقه إلى واسط لمحاربة البردي، مما دفعه إلى أنْ يسقط الكثير منهم من جيشه فتزايد اضطرابهم وحملوا السلاح ضده فحاربهم وقتل قسماً، منهم وهرب الباقون ونهبت دورهم وأملاكهم، وفي سنة (326 هجري)، اضطربت الأحوال المالية فحاول ابن رائق الحصول على الأموال من محمد بن طنج المتنفذ في مصر، وتصالح مع البريدي مقابل الثلاثين ألف دينار لكن الأمر لم يستتب لابن الرائق إذ ثار عليه بجكم (326 هجري)، واستولى على إمرة الأمراء.
وعلى إثر مقتل بجكم سنة (329 هجري)، اضطرب جيشه فقلد الديلم كنكري الديلمي أميراً للأمراء، ولم يرضَ الأتراك فهاجموه وقتلوه واحتاج الأتراك إلى الأموال فطالبوا الخليفة المتقي لله فأنفق (400) ألف دينار، كذلك لجأ البريدي إلى أنَّ الخليفة المتقي عندما طالبه الجند بالأموال فقال المتقي: (أنّ قد أنفقت في الأتراك أربعمائة وخمسين ألف دينار وفي غيرهم فمن أين أعطيه مل طلب؟ دعه يرد الحضرة ويعمل ما شاء فإني أرجو أن أكفي أمره).
إنَّ هذه الكلمات تُشير إلى حالة اليأس التي بلغها الخليفة في عدم استطاعته التغلب على المشكلة والمالية، ولم يستطع البريدي الذي استولى على بغداد أن يحد من طموحات الجند إذ أحرقوا دار أخيه أي الحسين واجتمع الديلم والأتراك على طرد البريدي من بغداد فصارت إمرة الأمراء إلى كورنيج. إلا أنه لم يبقَ طويلاً حتى شغب الجند ووقع القتال فيما بينهم، ولم يجد أمير الأمراء الجديد الأموال التي يحتاجها للجند فطلبها من علي بن عيسى وأخيه فأجاب علي (إن المال قد استنظف من النواحي وأنه لا وجه له).
وفي سنة (330 هجري)، شغب الأتراك على ابن رائق الذي عاد فاستولى على بغداد وإمرة الأمراء ولم يتمكن من الصمود فاضطر إلى الهرب إلى الموصل فتسلط الديلم على الأمور وقتلوا من وجدوا في دار السلطان وتولى بعد ابن رائق على إمرة الأمراء الحسن بن عبد الله بن حمدان الذي لُقِبَ بناصر الدولة، ولكن هذا وقع في المأزق نفسه مع الجند، وكان الأتراك يُطالبونه باستمرار أرزاقهم فاضطر أمام هذه المشكلة إلى أنْ يهرب من معسكره فأضرم الأتراك النار في المعسكر ونهبوا ما بقي من أموال.
فتقلد توزون المتعب بدلاً من الحسن الحمداني لكن الجند ثاروا عليه سنة (334 هجري)، واجتمعت كلمتهم على تقليد الرئاسة إلى ابن شيرزاد فزاد هذا في رواتبهم زيادات كثيرة أدت في نتيجة إلى تفاقم الضائقة المالية فطلب ابن شيرازاد الأموال من ناصر الدولة الحمداني عارضاً عليه الإمارة، وقد بعث إليه ناصر الدولة الأموال لكنها لم تكن كافية فاضطر إلى مُصادرة الناس فلم يؤد ذلك إلى نتيجة حاسمة، لذلك ظلت الأزمة المالية دون حلول شافية فكانت نتيجتها استمرار اضطرابات وشغب الجند وتعديهم على الأهالي.
وأضرت هذه الحالات بمعنويات الناس وبأوضاعهم الاقتصادية سيما بعد أنّ كَثُرت المصادرات من أمير الأمراء جعفر بن شيرزاد، الذي أكثر من مصادرات الناس والتجار والأغنياء في بغداد، وتفنن في فرض ضرائب إضافية من أجل توفير أموال الجند، حتى اضطر التجار إلى الرحيل عن مدينة بغداد.
ويمكن تلخيص الكلام، فإنَّ استحداث منصب أمير الأمراء لم يأت بحلول شافية للأوضاع المضطربة التي شهدها العراق خلال فترة التسلط الأجنبي، فقد كان حركات فاشلة قام بوضعها الخليفة الراضي بالله لم تستطع أن تُنقذ الخلافة من أزمتها السياسية والمالية، بل زادت في النزاع بين القادة للاستئثار بالحكم. وفي خلافة المستكفي بالله (333 – 334 هجري)، استطاع أحمد بن بويه من احتلال بغداد بعد عدة مُحاولات فاشلة، ودخل البويهيون محل إمرة الأمراء في بغداد، وبدأ العصر البويهي الذي استمر من سنة (334 – 447 هجري).
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.