خلافة أبو العباس السفاح

الكاتب: سامي -
خلافة أبو العباس السفاح
خلافة أبو العباس السفاح:
خطبة أبو العباس السفاح:
محاور خطبة أبو العباس السفاح:
نهاية الخلافة أبو العباس السفاح:
خلافة أبو العباس السفاح:



خرج أبو العباس السفاح من مخبئه ومعه أهل بيته حتى دخلوا قصر الإمارة بالكوفة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الثاني، وكان الناس قد علموا بذلك من قبل فلبسوا سلاحهم، واصطفوا لخروجه. ثم دخل السفاح المسجد من دار الإمارة فصعد المنبر، وقام في أعلاه، وصعد داود بن علي فقام دونه، فتكلم السفاح فذكر حقهم في الإمامة.



خطبة أبو العباس السفاح:



قال أبو العباس السفاح: “الحمد للهِ الذي اصطفى الإسلام لنفسه تكرمة، وشرّفهُ وعظمهُ، واختارهُ لنا، وأيدهُ بنا، وجعلنا أهلهُ وكهفهُ وحصنهُ والقوّام به، والذابّين عنهُ، والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحقَّ بها وأهلها، وخصنا برحم رسول الله، وأنشأنا من آبائه، وأنبتنا من شجرته، واشتقنا من نبعته، جعله من أنفُسنا عزيزاً عليه ما عنتنا، حريصاً علينا بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً.



ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتاباً يُتلى عليهم، فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا، وأوجب عليهم حقُنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرُمةً لنا، وفضلاً علينا، والله ذو الفضل العظيم.



وزعمت السبئية الضلال، أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم! ولم أيها الناس؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم، وبصرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحق. وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً ورفع بنا الخسيسة،
وتم بنا النقيصة، وجمع الفرقة.



حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دينهم ودنياهم، وإخواناً على سرر متقابلين في آخرتهم، فتح الله ذلك منْةً ومنحةً لمحمد، فلما قبضه الله إليه، قام بذلك الأمر من بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم. فحووا مواريث الأمم، فعدّلوا فيها ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وأخرجوا خماصاً منها.



ثم وثب بنو حرب ومروان، فابتزوها وتداولوها بينهم. فجاروا فيها، واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حيناً حتى آسفوه، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وولي نصرنا والقيام بأمرنا، لِيمُن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا. وإني لأرجو ألا يأتيكم الجور من حيث أتاكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله.



يا أهل الكوفة، أنتم محل محبتنا ومُنزل مودتنا، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك. ولم يثنكم عن ذلك تحامل أهل الجور عليكم، حتى أدركتم زماننا، وأتاكم الله بدولتنا، فأنتم أسعد الناس بنا، وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا، فأنا السفاح المُبيح، والثائر المبير”.



وكان موعوكاً فاشتد به الوعك. فجلس على المنبر، وصعد داود بن علي فقام دونه على مراقي المنبر وأكمل من بعده. ثم نزل أبو العباس ودواد بن علي أمامه حتى دخل القصر، وأجلس أبا جعفر ليأخذ البيعة على الناس في المسجد، فلم يزل يأخذها عليهم. حتى صلى بهم العصر، ثم صلى بهم المغرب.


محاور خطبة أبو العباس السفاح:



يبدو من خطبة أبي العباس ومن كلمة عمه داوود بن علي تفسر في ثلاث نقاط :



1- يُحاول اكشاف أحقية بني العباس بالخلافة دون غيرهم على نحو أن الخلافة وراثية، ولم تكن الخلافة في الإسلام ملكاً متوارثاً وإنما هكذا أصبح بعد الحكم الراشدي.



2- الحرب على بني أمية، ولقبوهم بظالمين المستبدين، أخذوا بغير حق وساروا فيه بكل عسف. وهذا شأن كل حاكم جديد بالنسبة لسابقه. يُبرر قيامه، ويُمكّن لنفسه.



3- الوعد بحكم ما أنزل الله، واتباع سنة رسول الله والاقتداء بالصحابة والسلف الصالح، وهذه قناعة الخلفاء. الذين يظُنون أنَّ ما سبقهم لم يطبقوا الإسلام بشكل صحيح، والواقع أن الإسلام لم يتبع منهجاً سليماً بعد صحابة رسول الله، وإنما حدث فيه تغيير، ولكنه كان تغيير طفيف تزداد زاوية الانحراف وتتسع أحياناً وتضيق أحياناً أُخرى.



وتبقى المظاهر العامة إسلامية بسبب مدة الخلافة، فالخلفاء عامة مُلتزمين بتعاليم الإسلام، ويتفاخرون بذلك، لذا فهم يأخذون على غيرهم، ويظنون بأنفسهم أنهم بإمكانهم أن يُطبقوا بشكلٍ أفضل، ويعملوا بصورة أحسن. والواقع أن العباسيين في أيامهم الأولى بصورةً عامةٍ كانوا أكثر تديُناً من الأمويين، وأكثر تمسُكاً بالإسلام، ولكنهم أقل خدمة للأمة.



وقد أضحى هذا من كلام داود بن علي من اليوم الأول (ولا نحفر نهراً) وليس معنى هذا أن الأمويين كانوا جملةً مهملين أمور دينهم، وأن العباسيين كانوا مُخلفين أمور رعيتهم، وإنما القضايا نسبية. فقد كان الأمويون أهل فضل ودين وإن وقعت في أيام بعضهم حوادث كان يجب ألا تقع، أما ما نسب لهم، وما قيل فيهم فهو بمجمله محض افتراء من صنع الدساسين والخصوم.



كما ركز داود بن علي على أن منبر الكوفة لم يخطب عليه خليفة بعد رسول الله، إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. رضي الله عنه، الذي كان قد اتخذ الكوفة مقراً له، وبعده كانت الكوفة مهملة من قبل الخلفاء حتى قام الخليفة السفاح هذا، وفي هذا الكلام إثارة لأبناء الكوفة ليعضدوا الحكم الجديد الذي هو حكمهم إذ أن بلدتهم قد أصبحت قاعدة الخلافة الإسلامية كلها.



نهاية الخلافة أبو العباس السفاح:



في اليوم الثاني سار السفاح إلى معسكر حمام أعيّن، ونزل في حجرة أبي سلمة الخلال، ووضع بينهما ستراً. واستخلف على الكوفة وأرضها عمه داود بن علي. وبعث عمه عبد الله بن علي في قوة دعماً لأبي عون عبد الملك بن يزيد لقتال مروان بن محمد. وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى، دعماً للحسن بن قُحطبة الذي يُحاصر يزيد بن عمر بن هبيرة في واسط.



وأرسل يحيى بن جعفر بن تمام بن عباس ليُساعد حميد بن قُحطبة الذي يدعو لبني العباس في منطقة المدائن ويقاتل فلول الأمويين هناك. وأرسل أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمّار بن ياسر على رأس قوة عوناً إلى بسّام بن إبراهيم بن بسّام بالأهواز.



وانتصر عبدالله بن علي على مروان بن محمد في معركة الزاب، يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة. وفرَّ مروان إلى قاعدته (حرّان) فأقام بها نيفاً وعشرين يوماً، ومنها سار إلى قنسرين، وعبد الله بن علي متتبع له ومن قنسرين سار مروان إلى حمص، ومنها إلى دمشق فالأردن ففلسطين، ثم سار إلى مصر، واختبأ ببوصير حتى قتل فيها في (27) ذي الحجة من عام (132 هجري).‏



أما ابناه عبد الله وعبيد الله فقد فرا إلى الحبشة مع جماعة من الأتباع، ثم قتلت الحبشة عبيد الله، وأفلت عبد الله الذي سلم نفسه أيام خلافة محمد المهدي. وبمقتل مروان بن محمد خلت إمارة المؤمنين للسفاح إذ ليس للمؤمنين إلا أمير واحد لهم في دار الإسلام.



وأما واسط فبقيت مُحاصرةً من قبل أبي جعفر المنصور، والحسن بن قحطبة حتى جاء إلى ابن هبيرة خبر مقتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية حمله إليه إسماعيل بن عبد الله القسري فطلب عندها ابن هبيرة الأمان وكثر الرسل بينه وبين أبي العباس حتى تمّ الأمان فاستسلم ابن هبيرة ومن معة، وبقي يتردد على أبي جعفر مع حاشيته، ثم استشار أبو العباس في أمره أبا مسلم فرأى قتله فقتل ابن هبيرة.



وأقام السفاح عدة أشهر بمعسكر حمام أعيّم، ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية في قصر الكوفة. ولم يستقر الوضع للسفاح بمقتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، إذ اندلعت الثورات ضد السفاح في بلاد الشام، كما قامت حركات في بعض المناطق. انتقل السفاح عام (134 هجري)، من الكوفة إلى الأنبار حيث أصبحت مقر حكمه حتى توفي.



شارك المقالة:
219 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع
youtubbe twitter linkden facebook