الوضع الاقتصادي في أسواق الإقطاع السلجوقي

الكاتب: سامي -
الوضع الاقتصادي في أسواق الإقطاع السلجوقي
"تذبذب الأسعار في سوق الإقطاع السلجوقي:
أسعار المواد الغذائية خلال فترة التسلط السلجوقي:
أهداف السياسة السلجوقية:
تذبذب الأسعار في سوق الإقطاع السلجوقي:



إنَّ كل المتغيرات التي أدت إلى تذبذب الأسعار تؤكد على دور الاحتلال السلجوقي في ذلك، فقد أدت سيطرة المقطعين على البلاد إلى آثار مدمرة على الواقع الاقتصادي للدولة العربية الإسلامية حيث أدت عدم استقرار الأسواق بارتفاع الأسعار.



كان نتيجة احتكار الإنتاج من أجل دفع الأموال للسلطان السلجوقي، لقد كان إقطاع الأراضي الزراعية للعسكر السلجوقي قد جلب الدمار لها والذي انعكس على واقع النشاط الاقتصادي، لقد شهدت الخلافة العباسية خلال فترة التسلط أزمات اقتصادية حادة بسبب قلة المواد الغذائية وارتفاع أسعارها.



لقد كان الإقطاع السلجوقي سبباً رئيسياً في هذا الواقع الاقتصادي؛ بسبب أحوال الفلاحين السيئة واضطهادهم من قبل المقطعين الذين ليس لهم خبرة في أمور الزراعة وتحمل الفلاحين الضرائب الباهضة.



لقد تعرضت القرى الزراعية إلى أعمال نهب وتخريب من قِبَل العساكر السلجوقية وخاصة القرى الواقعة في طريق القوات والتي أدت إلى تلف المحاصيل الزراعية وإلى هجرة الفلاحين عن قراهم، وبالتالي حرمان الاقتصاد العربي الإسلامي من الموارد الزراعية التي تشكل العنصر الأساسي لذلك الاقتصاد.



إنَّ الاضطراب السياسي الذي شهدته الخلافة العباسية خلال حقبة التسلط السلجوقي أدت إلى فقدان الأمن على الطرقات، ومهدت إلى (أعمال لصوصية انعكست على الواقع الاقتصادي بسبب الخوف من نقل المنتجات الزراعية والبضائع بين مدن الخلافة العباسية، والذي حرم أسواقها من توفر البضائع والغلات ندرتها وارتفاع أسعارها.



وقد لعبت السلطة السلجوقية في ذلك دوراً مهما من خلال عمليات النهب والتخريب التي مارستها العساكر السلجوقية وبموافقة تلك السلطة. كان تدهور نظام الري وعدم الاعتناء بصيانة السدود فضلة عن الحملاً العسكرية أدت إلى تدمير كثير من النواعير والسدود أدت إلى خراب الريف وتقليص المساحات المزروعة.



أسعار المواد الغذائية خلال فترة التسلط السلجوقي:



لقد شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً ملحوظاً خلال فترة التسلط السلجوقي، فقد شهدت الفترة الواقعة بين (447 – 575 هجري)، ثلاثون مرة سجلت فيها ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية في العراق وبلاد الشام، وحسب ما وردت ضمن المصادر التاريخية والتي سّتُبين المقدار الحاصل في ارتفاع الأسعار والأسباب التي أدت إلى ذلك.



ففي سنة (447 هجري)، شهدت الأوضاع العامة في العراق اضطراباً واضحاً سببه دخول العساكر السلجوقية بغداد، والتي قامت بأعمال نهب وتخريب للمدن والقرى الزراعية، فارتفعت الأسعار إلى الضعف، وحدث غلاء فاحش في أسعار اللحوم فقد بيع لحم الثور بعشرة قراريط بعد أنّ كان يُباع بخمسة قراريط، وكذلك ارتفع سعر حيوانات النقل التي تساعد الفلاحين على نقل غلاتهم الزراعية إلى السوق.



فقد بلغ سعر الحمار خمسة قراريط بعد أنّ كان يُباع بقيراطين، وشمل هذا الغلاء الأقوان، فقد بلغ سعر كر الحنطة ثلاثمائة دينار وبيع في شيراز بألف دينار وبيع التمر والخبز كل خمس أرطال بدينار، كذلك شهدت مدينة مكة موجة من الغلاء بيع فيها الخبز كل عشرة أرطال بدينار.



واستمر الغلاء سنة (448 هجري)، وعندما حدث غلاء فاحش في الأسعار وكان سبب ذلك فقدان الأمن وانتشار اللصوصية في الطرقات فأدى ذلك إلى خوف المزارعين من نقل محاصيلهم إلى بغداد خوفاً من النهب والسرقة، وكان من نتيجة ذلك أنّ تعذر وجود الغلات في الأسواق فأدى إلى حدوث الغلاء.



بلغ كر الحنطة تسعين دينار بعد أنّ كان سعره عشرين دينار وبيع رطل اللحم بقيراط وكل أربع دجاجات بدينار وزارد سعر الفواكه، حيث بيعت السفرجلة والرمانة بدينار وتعذر وجود التبن في الأسواق بسبب تلف المحاصيل الزارعية، فزاد سعره فقد بيع التبن بعشرة قراريط وشمل هذا الغلاء بلاد الشام والجزيرة والحجاز واليمن.



ثم تزايد الغلاء ووصل كر الحنطة أضعاف المبلغ السابق، فقد بيع الكر الواحد بمائة وثمانين دينار وكارة الخشكار الرديئة (النخاله) بسبعة دنانير وبلغ الغلاء أقصاه في منطقة الموصل بسبب نهب العسكر السلجوقي لمنطقة تكريت والموصل، فقد بيع كر الحنطة بمائة وتعسين دينار والخبز الرطل الواحد بنصف دانق.



سيطرة المقطعين على المزارع والغلات أدت إلى ارتفاع سريع في أسعارها وكات أسعار المواد المهمة كالحنطة تقفز أسعارها خلال فترات قصيرة بسبب تدمير المحصول وكذلك نهب المخزون لدى الفلاحين والتجار على حد سواء، فمثلاً كان سعر كر الحنطة قبل دخول السلاجقة عشرين دينار وبعد احتلالهم بغداد، وخلال فترة زمينية لا تتجاوز الأشهر زاد السعر نحو تسعين دينار بفارق مقداره سبعين دينار ثم قفز السعر إلى الضعف هذا الارتفاع المفاجىء جعل سعر النخاله في تزايد مستمر، فقد تراوحت سعر الكارة الواحدة بين سبعة إلى عشرة دنانير.



وشهدت سنة (449 هجري)، غلاء الأسعار في العراق فقد بيعت كارة الدقيق بثلاثة عشرة ديناراً وكارة الشعير ثمانية دنانير. لقد أثر الإقطاع السلجوقي على الأرض الزراعية التي لم تعد كما كانت وهجرها مُزارعوها فأصبحت لا قيمة لها حتى أنَّ بعضهم باع أرضه بخمس أرطال من الخبز.



اضطربت الأوضاع في مدينة حلب وغلت الأسعار فيها بسبب أعمال نهب الأتراك السلاجقة وحدث الغلاء فيها ففي سنة (463 هجري)، بيع القفيزين من الحنطة بدينار. وغلت الأسعار في دمشق ففي سنة (463 هجري)،‏ حصارها الجيش السلجوقي وقطعوا عنها وصول الإمدادات الغذائية فغلت الأسعار فيها.



ثم عاود الغلاء مدينة دمشق سنة (468 هجري)، بسبب محاصرة القوات السلجوقية بقيادة اتسز الخوارزمي وقامت قواته بأعمال نهب بيوت الناس وأسواق المدينة، فاضطر كثير من أهلها إلى ترك منازلهم واللجوؤ إلى مناطق أكثر أمناً، وقد لعب هذا الغلاء في سيادة الفقر بين سكانها خصوصاً أنَّ هذا الغلاء كما تذكر المصادر أستمر لثلاث سنوات.



فأصبح عدد سكانها ثلاث آلاف بعد أنّ كانوا ثلاثمائة ألف نسمة، وتناقص عدد الخبازين بسبب غلاء أسعار الحنطة التي بلغ سعرها ثمانين دينار، فقد كان عدد الخبازين في دمشق مائثتين وأربعين خبازاً لم يبقى سوى خبازين إثنين.‏



في سنة (492 هجري)،‏ اضطربت الأوضاع السياسية في العراق بسبب حالة الصراع بين الأمراء السلاجقة حول العرش، فقد نشب الصراع بين السلطان بركياروق ومحمد انعكس على الأوضاع الاقتصادية خصوصاً أنَّ تلك الصراعات تعطي الشرعية لهم في الحصول على الأموال بشتى الوسائل، فزادت الأسعار في العراق وبلغ سعر كر الحنطة تسعين دينار وأدى هذا الارتفاع إلى موت الناس جوعاً وشمل الغلاء خراسان ودام فيها سنتان والتي كانت ساحة قتال لتلك الصراعات.



وتعرضت الأراضي الزراعية في سواد العراق إلى أعمال تخريب، ففي سنة (495 هجري)، تعرضت المحاصيل الزراعية في قرى الدجيل إلى أعمال النهب والتلف أدت إلى حصول غلاء في الأسعار فبيع الخبز كل ثلاث أرطال بقيراط بعد أن كان يباع كل عشرة أرطال بقيراط.



وفي سنة (496 هجري)،‏ زادت الأسعار في أصبهان وسبب ذلك القتال الذي نشب بين السلطان بركياروق ومحمد وهزيمة الأخير إلى أصبهان، فاحتاج الميرة بعد أنّ ضاقت عليه ونهب قرى الفلاحين، وحصل نهب للأموال العامة حتى المساجد وأبوابها لم تسلم منهم وعدمت الأقوات في الأسواق وزاد سعر الخبز بحيث أصبح كل عشرة أمناء بدينار ورطل اللحم بيع بدينار.



وفي سنة (502 هجري)،‏ زادت الأسعار بسبب إهمال مشاريع الري وصيانة السدود والتي تسببت بغرق المحاصيل الزراعية وإتلافها، فبيع كر الحنطة بثمانية دنانير وكارة الدقيق الخثكار بعشرة دنانير وأكل الناس التمر والباقلاء، أما أهل القرى التي أصابها الضرر، فكان غذائهم على التوت.



لقد كان للحملات العسكرية التي يقوم بها الجيش السلجوقي أثرها السيء في نفوس عامة الناس لِمَا تجلبه تلك القوات من أعمال الدمار والنهب والسلب للأموال الناس ومحاصيلهم الزراعية، وكان أهل العراق هم أكثر سكان الخلافة العباسية الذين قاسوا من تلك الأعمال لذلك اعتادوا عند سماع مجيء تلك القوات أن يزداد الطلب على المواد الغذائية والتي يؤدي إلى نفاذها في الأسواق وبالتالي ارتفاع أسعارها.



ففي سنة (505 هجري)،‏ ارتفعت الأسعار في العراق بسبب وصول قوات السلطان محمد إلى العراق وعندما رحل عنها (صلح الحال ورخص السعر). وشهدت السنوات (510 , 511 هجري)، غلاء فاحشاً في العراق فقد زادت الأسعار وبلغ سعر كر الحنطة ثلثمائة دينار (ولم يوجد ومات الناس جوعا).



وفي سنة (512 هجري)،‏ حدث غلاء في العراق وسبب ذلك أنَّ شحنه بغداد منكبرس كان ظالماً للرعية، وكان يرأس مجموعة تقوم بأعمال لصوصية وجمع الأموال للسلطان فاضطراب الوضع الأمني في البلاد فخافه أكثر الفلاحين من نقل محاصيلهم إلى بغداد، أما الباقون فقد هربوا إلى مناطق أكثر أمناً (وتقوت الناس النخالة).



وشهدت سنوات (516 / 517 هجري)،‏‏ غلاء الأسعار في العراق وبلغ ثمن الخبز كل ثلاث أرطال بقيراط وبيع كارة الدقيق الخشكار ستة دنانير ونصف. وفي سنة (519 هجري)، حدث الغلاء في العراق وديار بكر والجزيرة وبلاد الشام سنة (521 هجري).‏



حدث الغلاء في مدينة حلب وزادت أسعار الحنطة التي بيعت كل ستة مكايك بدينار والشعير اثنتا عشرة مكوك بدينار والقطن ستون رطلاً بدينار. في سنة (526 هجري)،‏ حدث غلاء في الأسعار بالعراق بيع كر الشعير باثنتي عشرة دينار. وفي سنة (530 هجري)،‏ غلت الأسعار بدمشق وبيع الحنطة بأربعمائة درهم.



أهداف السياسة السلجوقية:



لقد استهدفت السياسة السلجوقية تدمير الاقتصاد العربي عن طريق وسائل وطرف تؤدي إلى تدميره وتخريبه في الوقت التي كانت الخلافة بحاجة إلى تلك الأموال، فقد كان السلاطين السلاجقة يعينون شحن من أعوانهم والذين اتصفوا بسوء السيرة وكانوا مجرد جباة ضرائب للسلطان السلجوقي، ففي سنة (532 هجري) زادت الأسعار في العراق بسبب أعمال شحنة بغداد البقش السلاحي الذي ظلم وصادر ونهب وكان يقوم بهذه الأعمال متستراً بتهمة اللصوصية التي يلحقها على من أراد مصادرته ونهبه.

"
شارك المقالة:
118 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع
youtubbe twitter linkden facebook