الصراع على السلطة بين سعود وفيصل

الكاتب: سامي -
الصراع على السلطة بين سعود وفيصل
المرحلة الأولى فيصل يستولي على السلطة مارس 1958 – ديسمبر 1960:
جبهة التحرير الوطني:
تسلسل أحداث الصراع بين سعود وفيصل:
المرحلة الأولى فيصل يستولي على السلطة مارس 1958 – ديسمبر 1960:

 

في أثناء الحديث عن وضع احتمالية لجوء الملك إلى مثل هذه الأساليب في السياسة الخارجية، قال باحثون أمريكان في كتابهم: (العربية السعودية: بنحو السكان والمجتمع والثقافة) إنّ الاغتيال، وهذه الأمور متداولة في السياسة الخارجية للعربية السعودية، تعقد معاهدة ثم يضرب بها عرض الحائط دون إلغائها شكلياً. وتشجع كل الأطراف المتنازعة الصراعات الداخلية لدى جيرانها لتغيير سياستهم الخارجية.

 

بلغت محبة الرئيس عبد الناصر نحو كبير جداً، بحيث أن خبر المؤامرة السعودية الهادفة إلى اغتياله أدت إلى تأزم الوضع داخل العربية السعودية ذاتها، ممّا أثار قلق عظيم لدى آل سعود وكبار علماء الدين. واتفق أنّه في هذا الوقت بالذات كان البلد يعاني من أزمة مالية فادحة بسبب الإفراط في صرف الأموال وانخفاض عوائد النفط. وقبل فترة قصيرة من ذلك جرت اضطرابات عمالية في المنطقة الشرقية كما بدت إمارات التذمر بين أوساط الموظفين والمثقفين وبعض الضباط.

 

يمكن تكوين صورة عن رغبات مطالب الغاضبين من خلال الرساله التي بعثها السعيد إلى الملك سعود التي نشرت عام 1958. وكان كاتب الرسالة من الزعماء العماليين في المنطقة الشرقية وصار بعد ذلك قائداً لاتحاد شعب الجزيرة. وفي عام 1953 اعتقل مع مجموعة من الزعماء العماليين الآخرين، وأطلق سراحه بعد الإضراب ثم نفى إلى الحائل. وعند زيارة سعود إلى جبل شمر، عام 1953 طالبه السعيد عليناً بسن الدستور وإجراء الانتخابات نيابية وإلغاء مجلس السرى ومنح حرية التنظيم النقابي.

 

استجابة لمطالب العمال أعيد السعيد إلى عمله في أرامكو، ولكنه اضطر إلى الهرب من السعودية عام 1956 ليتجنب تعرضه للتصفية الجسدية. علاوة على المطالب المذكورة، أورد السعيد في رسالته عدداً من مطالب العمال الاقتصادية ودعا إلى منح حريات ديمقراطية واسعة، بينها حرية التظاهر والإضراب والصحافة والمعتقد، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء العقوبات الهمجية مثل قطع اليد، والاعتراف بحرية الشيعة ومساواتهم مع الآخرين، وإزالة القاعدة الأمريكية في الظهران وحظر الرق وتحديد نفوذ آل الشيخ وإلغاء جماعة الأمر بالمعروف ووقف نشاط الهيئات الخاصة الأمريكية والمراكز الدعائية لأرامكو .

 

أخذ جزء كبير من آل سعود وكبار العلماء، يتجهون إلى ضرورة إجراء انقلاب في القصر يتسلم بعده ولي العهد فيصل السلطة الفعلية. تحصن سعود في قصر الناصرية بالرياض محاوطاً بالحرس الوطني والحراس الشخصيين، وكان فيصل في البداية يتفاوض مع شيوخ البدو. طالب فيصل بمنحه السلطة كاملة كرئيس للحكومة وبعدم تدخل الملك في شؤون الحكومة. وعندما لم يحصل على رد، قام في الاستقالة.

 

يقول بروشين أنّ العائلة الحاكمة كبيرة العدد كانت دائماً غير متجانسة: إذ يختلف أفرادها كثيراً من حيث المركز الاجتماعي، والأموال التي يحصلون عليها من خزانة الدولة. غير أنّ الخلافات داخل العائلة لم تتحول إلى عداء سافر أثناء حياة ابن سعود. فقد كان الأمراء يخافون ابن سعود لأنّ بوسعه حرمانهم من المخصصات، كما فعل أكثر من مرة مع المتمردين. وبعد وفاة ابن سعود تشتت العائلة المالكة وصارت كتلاً متباينة يسعى كل منها إلى نيل حصة الأسد من عوائد الامتيازات وترأس مناصب حكومية عامة.

 

جمع ولي العهد فيصل، وهو سياسي ذكي وبارع، من حوله أنصاره الغاضبين من تزايد نفوذ أبناء سعود في البلاط ودأب على تكوين انطباع بأنّ الملك غير مؤهل لمهمته. وحاول فيصل الذي تربطه علاقات قديمة ووثيقة بالأمريكان التظاهر بأنّه من أنصار الإصلاحات والتقارب مع الرئيس عبد الناصر، وبدأ بعد خفية لانقلاب في القصر.

 

وفي 24 آذار مارس 1958 أرسلت مجموعة من الأمراء على رأسها فهد بن عبد العزيز ببعث تنبيه إلى الملك يطالب فيه بتسليم السلطة إلى فيصل. كما طالب الأمراء بحماية بيت المال من النهب، وتنحية مستشاري الملك الضالعين في محاولة اغتيال عبد الناصر، ومنح أشقاء الملك حقوقاً مماثلة لحقوق أبنائه. حاول سعود الاستنجاد بالأمريكان ولكنّه لم يلق منهم العون، كما أنّه لم يجد ركيزة في الجيش لأنّ غالبية آل سعود كانوا ضد الملك. فاضطر في مثل هذه الظروف إلى قبول إنذار الأمراء.

 

وصدر في 23 آذار مارس الموافق  1958 بيان ملكي يعطي رئيس الوراء المسئولية الكاملة لمراقبة تنفيذ جميع السلطات الإدارية عملها على الصعيد الداخلي والمالي. كما أصبح فيصل القائد العام للقوات المسلحة السعودية. إنّ التنكر السياسي الذي قام به ولي العهد بادعائه أنه قومي ومع أنصار الإصلاحات كان دقيقاً إلى حدٍ كبير، حيث أن رد الفعل الأول لوسائل الإعلام الغربية على أحداث السعودية كان سلبياً.

 

فقد كتبت نيويورك في 25 آذار 1958 تقول (إنّ هذه الخطوة تمثل ضربة قوية بمواقع الغرب في الشرق الأوسط). ومن المحتمل بأن، هذا التقييم كان تشويشاً معتمداً. فبعد بعض الوقت صرح وزير الخارجية الأمريكي دالاس، بأنّ تسلم الحكومة فيصل مقاليد السلطة، وذلك يدل على أن الأحداث تسير في مجرى طبيعي وأنّه لن يحدث تغيرات في العلاقات السعودية الأمريكية.

 

لقد بدأت محاولات فيصل الظهور ليس على وسائل الإعلام الغربية وحدها، إذ أنّ ممثلي المعارضة الديمقراطية الثورية علقوا عليه بعض الآمال. فقد أصدرت جبهة الإصلاح الوطني في العربية السعودية، نداء في دمشق وجهته إلى فيصل وضمنته مقترحات مماثلة لتلك التي وردت في رسالة ناصر السعيد إلى الملك سعود. هكذا كانت أوهام ممثلي الفئات الوسطى السعودية من المثقفين وصغار الموظفين والضباط وإيمانهم الساذج بإمكان قيام آل سعود بإصلاحات.

 

جبهة التحرير الوطني:

 

في نيسان قررت قيادة جبهة الإصلاح الوطني أن تؤسس، اعتماد على تنظيمها، منظمة جديدة باسم جبهة التحرير الوطني في السعودية. وسرعان ما رفضت هذه المنظمة المعارضة تأييد فيصل ونقدت أعماله. في 18 نيسان ألقى فيصل خطاباً من الإذاعة كرسه للسياسة الخارجية. وأعرب عن الرغبة في إقامة علاقات الصداقة مع كل دولة لا تعادي الحكومة السعودية وتؤمن بالحياد الإيجابي ولا تنتمي لأيّ كتلة عسكرية، ويبدو أنّ المقصود هو حلف بغداد.

 

أدخل البيان الملكي الصادر في 11 مايو 1958 بعض التغييرات على نظام مجلس الوزراء الصادر في عام 1954، حيث تمّ فصل بين صلاحيات المجلس وصلاحيات الملك. فقد منح رئيس مجلس الوزراء السلطة الإدارية، ولكنّ السلطة السياسية ظلت للملك. وطرح المرسوم مهمة تنظيم المالية ومكافحة الرشوة والفساد. وحظر على أعضاء مجلس الوزراء تولي أي وظيفة جديدة داخل الحكومة أو خارجها دون الحصول على موافقة رئيس الوزراء. كما حظر عليهم تملك أموال الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأن يكونوا أعضاء في مجالس إدارة الشركات التجارية.

 

تسلسل أحداث الصراع بين سعود وفيصل:

 

ضمت العربية السعودية إلى صندوق النقد الدولي عام 1957. وبناء على توصية خبراء الصندوق أقر فيصل في يونيو 1958 برنامجاً للاستقرار المالي. ونص البرنامج على خفض نفقات الدولة إلى مستوى وارداتها، وإجراء إصلاح للنظام النقدي، وقصر الاستيراد على المواد الغذائية والمنسوجات والأدوية. كما تقرر وقف أعمال البناء في عدد من القصور الملكية ومنع استيراد السيارات لمدّة سنة. وقلّصت الحكومة إلى حد كبير الإنفاق على التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة. وفي عام 1959 توقفت الدولة عن تخصيص أموال لتنمية الصناعة والزراعة.

 

خفضت قيمة الريال السعودي، فأصبح الدولار الواحد يعادل 4.5 ريال مقابل 3.75 في الماضي. واعتمدت الحكومة النقود الورقية المغطاة بالذهب والعملة الأجنبية القابلة للتحويل، لتعوض بها عن وصولات الحجاج والنقود الذهبية التي سحبت تدريجياً من التداول. وقسم الريال الجديد إلى عشرين فلساً عوضاً عن 22 فلس.

 

لم يترك الملك سعود كفاحه، بتنازله عن السلطة الفعلية لولي العهد. فقد احتفظ الملك بعلاقات طيبة مع الأرستقراطية العشائرية جزء من علماء الدين. وظل يؤكد على وفائه للتقاليد ويوزع العطايا بسخاء. وزار سعود مصر صيف عام 1959 محاولاً أن يدفع عن نفسه شبهات العداء لعبد الناصر.

 

كان من أبرز مجموعة الأمراء، طلال بن عبد العزيز. كان طلال واحد من الأخوة الصغار لسعود، وثمة مجموعة كاملة من الأمراء الآخرين تطيل في الأمل في أن يأتي دوره ليكون ملكاً. لذا فقد شرع انطلاقاً من طموحاته الشخصية وهذا ما أثبتته الأحداث فيما بعد يبشر بفكرة الحكم الدستوري أملاً في الاقتراب من السلطة عن طريق الإصلاحات. وفي يونيو 1960 اقترح ظلال إقامة نظام ملكي دستوري، فرفض فيصل الاقتراح وأبعد عنه طلال وجماعته.

 

أخذ سعود يأمر فيصل بإخباره بجلسات الحكومة، وعدم تعيين أمراء إلّا بموافقته، وبأن يمتنع من نشر الميزانية دون موافقته عليها، كما طالب الدفع لأولاده الصغار مستحقاتهم المالية كاملة. في 18 ديسمبر قدم فيصل للملك مسودة بيان ملكي حول الميزانينة، فرفض الملك توقيعه بحجة أنّه لا يحتوي على تفاصيل. وفي مساء اليوم نفسه رفع فيصل رسالة رفض إلى الملك اعتبرها سعود طلب استقالة.

شارك المقالة:
299 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع
youtubbe twitter linkden facebook