"التنظيمات السياسية السرية العباسية: التنظيم العباسي: 1- التنظيم السري في الكوفة: 2- التنظيم السري في خراسان: 3- نشاطات التنظيم العباسي: التنظيمات السياسية السرية العباسية:
كان من بين الحركات المعارضة للحكم الأموي، حركة أنصار آل البيت (بني هاشم)، وكانوا يرون أن بني هاشم هم أحق الناس بالخلافة، وقد عبروا عن معارضتهم للحكم الأموي، بِعدة حركات وثورات، منها ثورة الحسين بن علي وحفيده زيد بن علي، وعبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب.
ويلاحظ على هذه الحركات أنها كانت غير متفقة على زعامة واحدة، والذي يهمنا هو حركة الكيسانية (المختارية)، التي كانت تعتقد بزعامة محمد بن علي (ابن الحنفية)، التي تفرعت إلى عدة فرق، وتميل هذه الحركة في مبادئها إلى الغلو والتطرف في الدين.
وبعد وفاة زعيمها محمد بن الحنفية تزعم الحركة ابنه أبو هاشم عبد الله، وبدأ يطلق على هذه الحركة الهاشمية أو (الهاشمية الخالصة)، وكان أصحابه يعتقدون بأنه يحيي الموتى، وقد استطاع أبو هاشم أن ينظم أتباع ويتسلم منهم الخمس والهدايا، لكنه في الوقت نفسه استمر في زيارته للبلاط الأموي، وكان على علاقة طيبة بمحمد بن علي العباسي في الشام.
وعند عودته من إحدى زياراته إلى الشام، وفي طريق عودته إلى الحجاز، أحس بمرض مفاجئ، مما اضطره إلى أن يعرج على منزل محمد بن علي العباسي في الحميمة (في الأردن حالياً)، ولتدهور حالته الصحية وإشرافه على الموت، اضطر إلى أن يسلم زعامة الحركة السرية الهاشمية إلى محمد بن علي العباسي وبحضور مجموعة من أتباعه.
وسلمه الصحيفة الصفراء التي فيها أسرار التنظيم، من أسماء الأتباع وموعد الثورة ومكانها، وفيها علم رايات خراسان السود، متى تكون وكيف تكون ومتى تقوم وزمنها وعلاماتها، وأي أحياء العرب أنصارهم وأسماء رجال يقومون بذلك وكيف صفتهم وصفة رجالهم وأتباعهم، وبذلك تحولت الحركة السرية الهاشمية إلى حركة عباسية خالصة بعد أن تزعمها محمد بن علي العباسي، الذي أصبح يلقب بـ (الإمام).
التنظيم العباسي:
1- التنظيم السري في الكوفة:
يعد محمد بن علي العباسي قائد التنظيم السري العباسي، ومؤسسه الحقيقي، ويطلق عليه (الإمام)، وتذكر رواية تاريخية: أن التنظيم العباسي تأسس في بني مسلية. وكان رئيسهم سلحة بن بجير، إلا أنه توفي في طريقه إلى الحجاز فتولى رئاسة التنظيم أبو رباح ميسرة النبال فأمرهم الإمام العباسي محمد بن علي بالذهاب إلى الكوفة.
على أن يستروا أمرهم وأن يكتموا اسمه ولا يظهروه إلا لمن يثقوا به وكانت دعوتهم إلى (الرضا من آل محمد) فإذا سئلوا عن اسمه قالوا: أمرنا بكتمان اسمه حتى يظهر، وكان من أوائل من انتمى إلى هذا التنظيم: سلمة بن بجير، سالم بن بجير (سالم الأعمى)، أبو هاشم بكير بن ماهان، حفص بن سليمان (أبو سلمة الخلال)، ومنهم زياد الهمداني، معن الهمداني، أبو عمرو الأزدي وإبراهيم الهمداني.
وبعد وفاة أبي رباح النبال، تولى رئاسة التنظيم سالم بن بجير وتولى أمر المراسلة بين الإمام العباسي في الحميمة وبين التنظيم في الكوفة أبو هاشم بكير بن ماهان، حيث قام بزيارة الإمام العباسي وأعطاه بعض الأموال التي أرسلها التنظيم في الكوفة وفي حدود عام (100 هجري)، بدأ التنظيم يتخذ أسلوباً جديداً حيث أخذ يبث مبادئه في خراسان، بعد أن زود من قبل الإمام العباسي بأوامر محددة هي:
أن يكسب الأتباع الثقة من أهل خراسان.
أن يكون الشعار (للرضا من آل محمد).
أن يندد بجور الأمويين.
حذره من الانضمام إلى الثوار العلويين وأمرهم بالكف؛ ومن هنا سموا (الكفية).
2- التنظيم السري في خراسان:
تألف أول تنظيم سري عباسي في خراسان من يزيد بن الهنيد، أبي عبيده بن السري المسلمي، سليمان بن كثير الخزاعي، بعد شهرين، انضم إليه مالك بن الهيثم الخزاعي، عمرو ابن أعين، زياد بن صالح، طلحة بن رزيق وأبي النجم عمران بن إسماعيل ثم خالد بن إبراهيم الربعي الشيباني، الذهلي، وعلاء بن الحريث وموسى بن كعب التميمي، (وعدة من خزاعة).
3- نشاطات التنظيم العباسي:
عين الإمام العباسي أبا هاشم بكير بن ماهان حاكم عن التنظيم في خراسان، وكان الهدف من السفر إلى السند لأخذ ميراثه من أخيه لذا عين الإمام زياد بن درهم الهمداني بدله، أمره بالاتصال بسليمان بن كثير الخزاعي وبقية التنظيم في (مرو) على أن لا يعلن معارضته للحكم الأموي بحركة مسلحة، بل تبقى المعارضة سرية وحذره من كثرة مراسلته خوفاً من عيون الأمويين.
وأشار إلى ضرورة الاستمرار في رفع شعار (للرضا من آل محمد)، دون أن يصرح باسم زعيم (الإمام) التنظيم العباسي، والأهم من ذلك أمره أن ينزل في أهل اليمن ويتآلف ربيعة، ويبتعد عن مضر إلا في ثقاتهم، وأمره أن لا يكتفي ببث تلك الشعارات بين العرب فقط، وإنما طلب منه أن يتصل بالسكان المحليين، ومن هنا بدأ التوسع في جلب الأتباع إلى الحركة من غير العرب.
استعاد أبو هاشم بكير بن ماهان زعامة التنظيم في خراسان بعد عودته من السند، ووجد التنظيم قوياً، إلا أنه فوجئ بكتاب من الإمام العباسي، يذكرهم بمبادئ الدين الإسلامي، في وصية طويلة، وفي آخرها يتبرأ من خداش، لأنه ابتعد عن التمسك بكتاب الله وسنة الرسول.
كان عمار بن يزيد (خداش) أحد أعضاء التنظيم في (مرو)، حيث استطاع أن يكسب أتباعاً جدداً بعد أن نادى بمبادئ خرمية متطرفة، يقول الطبري: (وأظهر دين الخرمية ودعا إليه ورخص لبعضهم في نساء بعض، وأخبرهم أن ذلك عن أمر محمد بن علي (العباسي).
وبالرغم من أن التنظيم العباسي كان في الأساس يحمل بعض المبادئ المتطرفة (من هاشمية إلى عباسية)، إلا أن الجديد هنا، هو المناداة بمبادئ خرمية، وهي مزدكية متطورة ومتأثرة بالدين الإسلامي. لقد انكشف أمر خداش، وأعدم من قبل السلطة الأموية عام (118 هجري).
بعد حادثة خداش قام بكير بن ماهان بإعادة النظر في بنية التنظيم السري في خراسان، حيث شكل مجلس الإدارة التنظيم من اثني عشر نقيب، كلهم من العرب سوى واحد كان مولى لقبيلة عربية وهم مما يلي:
خزاعة: سليمان بن كثير، مالك بن الهيثم، زياد بن صالح، طلحة بن زريق.
من تميم: موسى بن كعب، ويسى بن كعب، لاهز بن قريظة، القاسم ابن مجاشع.
من طيء: قحطية بن شييب.
من شيبان: خالد بن إبراهيم الذهلي.
من بجيلة: أسلم بن سلام. مولى بن حنيفة: شبل بن طهمان.
وكان هناك نظراء النقباء، إذا مات رجل من النقباء صير مكانه رجل من النظراء، وكان هناك الدعاة، بلغ عددهم سبعين، ودعاة الدعاة وهم سبعة وثلاثون. أما خارج مرو فهناك نقباء ودعاة أيضاً في بقية مدن خراسان: نسا، ايبورد، بلخ، مرو الروذ، خوارزم، آمل. وقام بكير بن ماهان قبل سفره بتعيين سليمان بن كثير الخزاعي رئيساً للنقباء ومشرفاً على التنظيم في خراسان.
سافر أبو هاشم بكير بن هامان ومعه بعض أعضاء التنظيم، ومعهم الأموال، إلى الحميمة عن طريق الكوفة، وقابلوا الإمام محمد العباسي، ودفعوا إليه الأموال، وأثناء هذه المقابلة أحس الإمام بمرضه الأخير، لذلك عين ابنه إبراهيم إماماً، وأوصاه بهم خيراً، وأكد على أن أبا هاشم بكير بن ما هان هو المسؤول الأول عن التنظيم في الكوفة، وعند وفاته يكون أبو سلمة الخلال مكانه، ثم أوصاه ببني مسلية الذين كانوا نواة التنظيم في الكوفة. وقد توفي محمد العباسي عام (142 هجري).
وقد عاد بكير بن هامان إلى خراسان، وأوصى التنظيم العباسي بعدم رفع السلاح مع يحيى بن زيد بن علي: (فلا يخرجن معه أحد منكم، ولا يسعى في شيء من أمره، فإنه مقتول، وقد نعاه الإمام إلى أهل بيته). وهذه الوصية لها ما يبررها، فمادام هناك تنظيم سري يعمل من أجل خلافة عباسية، فليس من المعقول أن يساند حركة تعمل من أجل خلافة علوية.
وفي عام (126 هجري)، وجه إبراهيم الإمام من جديد إلى خراسان بكير ابن ماهان وبعث معه بالسيرة والوصية، ونعى الإمام العباسي محمد بن علي وأوصاهم وقرب لهم أمرهم، وأمرهم بطاعة أبي هاشم والقبول عنه فجمع ابن ماهان النقباء في مرو ومن بها من أعضاء التنظيم ودعاهم إلى إبراهيم فقبلوا منه ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من الأموال، فقدم بها بكير بن ماههان على الإمام إبراهيم بن محمد.
عند عودة بكير بن ماهان إلى الكوفة سجن بسبب دين عليه، فتولى رئاسة التنظيم أبو سلمة الخلال. وكان زوج ابنة بكير، فأرسله إبراهيم الإمام إلى خراسان، وكان برفقته هذه المرة أبو مسلم الخراسائي، ومعهما ثلاث رايات سود، تسلم أحدها أبو عون عبد الملك الأزدي في جرجان، وتسلم الثانية سليمان ابن كثير الخزاعي في مرو، وأرسل الثالثة إلى ما وراء النهر مع مجاشع الأنصاري وقيل عمرو المرادي.
لقد استغل التنظيم العباسي التنبؤات والملاحم الشعبية، فأشاع أحاديث عن اللباس الأسود، والرايات السود، وأنها ستظهر من المشرق، وأنها منتصرة لا محالة، ولم يكتف التنظيم العباسي بذلك، بل طرح شعارات عديدة متنوعة لكي يكسب كل الكتل المتذمرة من الحكم الأموي، وخاطب كل فئة باللغة التي تفهمها، ومن الممكن تلمس تلك الشعارات من الكتل والجماعات التي انضمت تحت لواء التنظيم العباسي والتي أيدت الثورة العباسية بعد ذلك.
على أن الشعار الرئيسي الذي رفعه الثوار العباسيون كان (للرضا من آل محمد) يوضح إلى حد كبير أن العباسيين قد توجهوا بالدرجة الأساس نحو المسلمين (من عرب وغير عرب)، هذا إذا تذكرنا أن التنظيم العباسي هو في الأساس متطور عن الحركة الهاشمية المختارية، وهذا يشعرنا بأن التنظيم العباسي كان يميل إلى التطرف والغلو في بعض مبادئه، ثم رأينا ما طرحه (خداش) من مبادئ خرمية إباحية ثم ما قام من بعده أبو مسلم في الاتجاه نفسه.
على أننا يجب أن نحذر من المبالغات الكثيرة في رواياتنا التاريخية وتبعها مؤرخون محدثون عن كثرة انضمام الموالي (المسلمون من غير العرب)، والفرس بشكل عام إلى التنظيم العباسي أملاً في التخلص من الحكم الأموي العربي، وتغير أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية السيئة.
ولو كان انضمام الموالي والفرس إلى التنظيم العباسي، وتأييدهم الثورة العباسية بهذا الشكل الواسع، لاستغلت مدن بلاد فارس فرصة الثورة لتنتفض عن بكرة أبيها ضد الأمويين، بل إن الروايات التاريخية تثبت عكس ذلك. ونلاحظ تأييد النبلاء الفرس نبلاء القرى للدعوة العباسية وكان سبب تذمرهم يعود إلى فقدانهم امتيازاتهم الاجتماعية والاقتصادية بعد التنظيمات المالية التي وضعها نصر بن سيار.
على أن أهم الكتل التي قادت الثورة نحو الانتصار هم عرب خراسان، الذين فقدوا امتيازاتهم بصفتهم أعضاء في الكتلة العربية الحاكمة. والذين تأثروا أيضاً بكونهم خاضعين الأرستقراطية الفارسية غير المسلمة (الدهاقين)، فهؤلاء العرب المستقرون في خراسان كانوا هم سند الثورة.
وقد استغل التنظيم العباسي في خراسان تذمر المقاتلة العرب أيضاً، الذين كانت لهم أسباب عديدة للتذمر، أهمها تذمرهم من سياسة التجمير الأموية التي تقضي بإبقائهم على الحدود شتاء وعدم السماح لهم بالرجوع إلى عوائلهم، وتذمرهم أيضاً من السياسة الأموية التي كانت تقطع رواتبهم أحياناً، أو تسلبهم فيئهم وغنيمتهم، أو تقطع نسبة أكبر مما تستحقه من هذه الغنائم.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.