"الأحداث التي جرت مع أبو جعفر أخو أبو العباس: مُبايعة أبو العباس لأخية أبو جعفر: الأحداث التي جرت مع أبو جعفر أخو أبو العباس:
عندما عاد أبو جعفر إلى الكوفة أرسله أبو العباس إلى واسط لمحاصرة ابن هبيرة فيها وبعد حصار استمر ما يقرب من أحد عشر شهراً، وصل خبر مقتل مروان بن محمد إلى ابن هبيرة فطلب وقتها الأمان والصلح. وجرت الرسل بين الطرفين، وتم الأمر، وخرج ابن هبيرة، وكان يسمر عند أبي جعفر، ويرى أبو جعفر المحافظة على العهد والوفاء بالأمان لابن هبيرة، إلا أن أبا العباس قد استشار أبا مسلم، فقال له: إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد، والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة.
فكتب أبو العباس إلى أبي جعفر يأمره بقتل ابن هبيرة، ولكن أبا جعفر راجعه وراجعه، وأبو العباس يلح حتى قال له أخيراً: والله لتقتُلنه أو لأُرسلن إليه من يخرجه من حجرتك. ثم يتولى قتله، فأزمع قتله، ونفذ ذلك.
كان أبو جعفر من منظورة أن استرضاء القادة الذين كانوا قوامة بني أُمية قوةً للعباسيين، أما أبو مسلم فيرى في وجود قادةٍ ظاهرين في صفوف العباسيين إضعافاً لمركزه، لذا كان يرى التخلص منهم كي لا يفسدوا عليه الطريق السهلة التي يراها، وعبّر عنها بجوابه لأبي العباس. وهكذا زادت نقمة أبي جعفر على أبي مسلم . وما انتهى أمر واسط وابن هبيرة حتى أرسل أبو العباس أخاه أبا جعفر أميراً على الجزيرة، وأرمينيا، وأذربيجان، وبقى أميرها حتى استخلف.
مُبايعة أبو العباس لأخية أبو جعفر:
ولما قام أبو العباس مُبايعة أخيه أبي جعفر من بعده أرسله إلى أبي مسلم وكان بنيسابور كي يأخذ البيعة منه ومن أهل خراسان، وكأن أبا العباس كان يُحب أن تزول الغمة بين أخيه وأبي مسلم بالصلة والزيارة ولكن ذلك ما كان إلا ليزيدها، وما من تصرف إلا ويُؤول، إذ أن النفوس غير صافية به إذ وجد في استخلافه عقبةً كأداء فى وجه مشروعاته، وما يُخطط له. وبقي عدة أيام أبو جعفر في نيسابور حتى فرغ من البيعة، ولما عاد أخبر أبا العباس بما كان من استخفاف أبي مسلم به.
وفي عام (136 هجري)، استخلف أبو جعفر على عمله فى الجزيرة، وأرمينيا، وأذربيجان مُقاتل بن حكيم العكي وقدم على أبي العباس واستأذنه بالحج. فإذن له، واستعمله على الحج. ولم يلبث أن كتب أبو مسلم لأبي العباس يستأذنه في القدوم عليه، نأجابه إلى ذلك، فقدم في جماعةٍ عظيمةٍ من أهل خرسان، فأمر أبو العباس الناس باستقباله فاستقبلوه، وأكرمه أبو العباس، وأنزله قريباً منه، ثم استأذنه بالحج فقال له: لولا أن أبا جعفر يحج لاستعملتك على الموسم.
واستغلّ أبو جعفر وجود أبي مسلم بالأنبار فقال لأبي العباس: يا أمير المؤمنين أُمرني وأقوم بقتل أبا مسلم. فوالله إن في رأسه لغدرة، فقال: يا أخي، قد عرفت مصيبته وما كان منه، فقال أبو جعفر: يا أمير المؤمنين، إنما كانابن حجر العسقلانيّ أمير المؤمنين في الحديث بدولتنا، والله لو بعثتَ سنوراً لقام مقامه. وبلغ ما بلغ في هذه الدولة، فوافق أبو العباس ثم تراجع عن ذلك.
وسار أبو جعفر إلى الحج كما سار أبو مسلم، وانتهى الموسم. وكان أبو مسلم يعطى الأعطيات، ويمنح الهبات، ويحفر الآبار، ويتقرب إلى الناس، ولم يكن أبو جعفر كذلك فزاد غضب المنصور من تصرف أبي مسلم، وتحببه للناس. توفي أبو العباس فأخذ البيعة للمنصورابن أخيه عيسى بن موسى، وكتب إلى عمه بذلك، وقام بأمر الناس. ووصل الخبر إلى المنصور وهو في الطريق، فبايعه أبو مسلم ومن معه، وتابع سيره حتى أتى الكوفة، فصلى الجمعة فيها، وخطب أهلها، وأعلمهم أنه راحل إلى الأنبار.
وقيل: إن خبر موت أبي العباس قد وصل إلى أبي مسلم قبل وصوله إلى أبي جعفر فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. عافاكَ الله وألبسك لباس الصحة وأمتع بك. إنه أتاني خبر أفظعني وبلغ مني مبلغاً لم يبلغه شيء قط، لقيني محمد بن الحصين بكتاب من عيسى بن موسى إليك بوفاة أبي العباس أمير المؤمنين، رحمه الله فنسأل الله أن يُعظم أجرك، ويحسن الخلافة عليك، ويبارك لك فيما أنت فيه؛ إنه ليس من أهلك أحد أشد تعظيماً لحقك وأصفى نصيحة لك، وحرّصاً على ما يسرك مني. وبعد يوم أو يومين بعث بالبيعة إليه. ويبدو أنه أراد المُداهنة قبل أن ينتقم منه المنصور.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.