أكبر صفقة لموارد فضائية في التاريخ: شراء هيليوم-3 من القمر لتشغيل الحوسبة الكمومية

لم نبدأ التعدين على سطح القمر بعد، لكن الشركات بدأت بالفعل في شراء موارده.

في خطوة تاريخية تمثل أكبر عملية شراء لموارد طبيعية من الفضاء على الإطلاق، أبرمت شركة التكنولوجيا الفنلندية Bluefors، المتخصصة في صناعة أنظمة التبريد الفائقة الضرورية للحوسبة الكمومية، صفقة لشراء عشرات الآلاف من لترات الهيليوم-3 (Helium-3) من القمر، بتكلفة تتجاوز 300 مليون دولار.

تمت الصفقة من خلال شركة فضاء تجارية تدعى Interlune، تأسست على يد مديرين تنفيذيين سابقين في شركة "بلو أوريجين" ورائد فضاء من برنامج "أبولو". ورغم الشكوك التي حامت حول مهمتها لتصبح أول كيان يقوم بالتعدين على القمر، إلا أن التقدم في تقنيات الحصاد وإبرام اتفاقيات تجارية مثل هذه، بدأ يجعل هذا المشروع يبدو أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال العلمي.

تعد Bluefors العميل الثالث الذي يوقع مع Interlune، حيث طلبت ما يصل إلى 10,000 لتر من الهيليوم-3 سنوياً ليتم تسليمها بين عامي 2028 و2037.

هذا ليس هيليوم البالونات

يختلف نظير الهيليوم-3 عن غاز الهيليوم-4 المستخدم في بالونات الحفلات، فهو أخف وزناً وأندر بكثير على كوكب الأرض. لكن عينات الصخور القمرية التي جلبتها رحلات أبولو تشير إلى وفرته هناك. وقد قدرت شركة Interlune القيمة السوقية للهيليوم-3 بـ 20 مليون دولار للكيلوغرام الواحد (حوالي 7,500 لتر).

يقول روب مايرسون، الرئيس التنفيذي لشركة Interlune: "إنه المورد الوحيد في الكون الذي يمتلك سعراً مرتفعاً بما يكفي لتبرير الذهاب إلى الفضاء اليوم وإعادته إلى الأرض".

لماذا قد تتطلب الحوسبة الفائقة التعدين على سطح القمر؟

تأتي هذه الصفقة قبيل الانفجار المتوقع في مجال الحوسبة الكمومية، وهي تقنية يمكن أن تحسن بشكل جذري القدرة على حل بعض أكبر المشاكل في الكون. يمكن لهذه الحواسيب المتقدمة أن تساعد في اكتشاف علاجات جديدة للأمراض، أو العثور على كواكب صالحة للحياة، أو حتى كسر أعقد الشفرات.

تعتمد هذه الأجهزة على جسيمات تسمى الكيوبت (Qubits) لمعالجة المعلومات بطرق جديدة. لكن الحرارة، حتى بجرعات صغيرة، يمكن أن تتسبب في حدوث أخطاء في الكيوبتات. وهنا يأتي دور الهيليوم-3.

تصنع Bluefors تقنية التبريد التي تسمح للحاسوب الكمومي بالعمل، من خلال هياكل تشبه الثريات تُعرف باسم "ثلاجات التخفيف" (Dilution Refrigerators). تحتوي هذه الثلاجات على مزيج من الهيليوم-3 والهيليوم-4 يدفع درجات الحرارة إلى أقل من 10 ميللي كلفن (أي -273.14 درجة مئوية).

تقول إنجيلا وايسمآ، مديرة التسويق في Bluefors: "إن الجزء الداخلي من ثلاجة Bluefors أبرد بـ 200 مرة من الفضاء الخارجي، وهو أمر مذهل".

مع تطور الحواسيب الكمومية من آلاف الكيوبتات إلى ملايين، ستحتاج إلى كميات هائلة من الهيليوم-3 تفوق ما هو متاح على كوكب الأرض، حيث يأتي معظمه من تحلل التريتيوم في مخزونات الأسلحة النووية. وهنا يمكن للقمر سد هذه الفجوة، حيث قصفته الشمس بجزيئات الهيليوم-3 على مدى 4 مليارات سنة، ويُقدر وجود أكثر من مليون طن متري منه على سطحه.

كيف سيتم تعدين الهيليوم-3 على سطح القمر؟

تتضمن عملية التعدين المخطط لها أربع خطوات رئيسية:

  1. الحفر والفرز: ستقوم Interlune بحفر سطح القمر وفرز الجسيمات الدقيقة عن الكبيرة.

  2. إطلاق الغازات: سيتم تحرير مزيج الغازات المحبوس في الجسيمات الدقيقة.

  3. فصل الهيليوم-3: سيتم فصل الهيليوم-3 عن الغازات الأخرى تمهيداً لشحنه إلى الأرض.

  4. إعادة التربة: ستعيد الشركة التربة المحفورة إلى سطح القمر، تاركة أثراً يشبه الأرض المحروثة بدلاً من موقع تعدين.

وقد أثبتت الشركة بالفعل نجاح العديد من خطوات تقنياتها على الأرض، بما في ذلك اختبار حفارة بالحجم الكامل قادرة على حفر 100 طن متري من التربة في الساعة، وإجراء تجارب ناجحة لفصل الهيليوم-3 في بيئة تحاكي جاذبية القمر المنخفضة.

لم تعد هذه الفكرة مجرد حلم، بل أصبحت خطة عمل مدعومة بصفقات حقيقية واستثمارات ضخمة، مما يبشر بعصر جديد من اقتصاد الفضاء.