كان الوجودُ العربي على يوتيوب في بدايته محدودًا جدًا، وكان مقتصرًا على رفع فيديوهات لعروض تلفزيونية قديمة، الأغاني، وبعض فيديوهات شخصية أيضًا. لم يكن مصطلح &ldquoيوتيوبر&rdquo شائعًا في ذلك الوقت، ولم تكن فكرة أنَّه بإمكان أيّ شخص أن يكون منتجًا، ويحصل على منصة أشبه بقناة فضائية خاصة به يبثُّ فيها إلى الملايين موجودة أيضًا، حتى في بقية دول العالم لم يكن هناك سوى عدد محدود من &ldquoصانعي المحتوى&rdquo المخصص ليوتيوب؛ لأنَّ تكلفة الإنتاج كانت عاليةً، حيثُ لم تكن تقنيات التصوير بالهواتف المحمولة بتلك القوة، والكاميرات الرقمية الاحترافية مرتفعة الثمن، وبرامج تحرير الفيديو لم تكن بتلك السهولة أيضًا، ولأنَّ يوتيوب نفسه لم يكن بتلك القوة، ولم يكن يقدّم أيّ مردود لصانع المحتوى، فكان الأمرُ مقتصرًا على من لديه القدرة على تجاوز عقبات الإنتاج، ومستعد لذلك فقط بغرض مشاركة أفكاره مع العالم.
كلّ الأسباب السابقة تنطبق أيضًا على العالم العربي، يضاف إليها عدم وجود ثقافة صناعة محتوى، ولا معرفة بحقوق النشر والتأليف، وأسباب لوجستية مثل: ضعف سرعة الإنترنت، المشكلة التي ما زالت موجودةً إلى اليوم في بعض الدول.
فعليًا بدأت إرهاصات جيل يوتيوب الجديد تظهر مع ثورة التواصل الإجتماعي التي بدأت العام 2010، حيثُ أخذت شبكات التواصل بالنمو بشكلٍ جنوني في المنطقة، وأصبحت متاحةً في أيدي الجميع &ldquoحرفيًا&rdquo، ولكن القفزة الأكبر في إنتاج المحتوى المرئي وانتشاره بهذا الشكل كانت عندما بدأ موقع يوتيوب بمشاركة أرباح الإعلانات، التي يتمُّ عرضها في الفيديوهات مع صُنّاع المحتوى، هذا الأمر قد دفع الملايين، بل عشرات الملايين إلى الانقضاض على المنصة، وإنشاء قنواتهم الخاصة سواءٌ كانت لديهم أفكار أو خطط حقيقية للعمل أو لم يكن لديهم، وأبناء الشرق الأوسط لم يكونوا بعيدين عن ذلك.
بكلِّ تأكيد ظهرت مشاريع قنوات جيدة منها ما حقّق نجاحًا جماهيريًا معقولًا مثل الدحيح والاسبتالية، ولكن غالبية القنوات المفيدة في أيِّ مجال كانت، سواءٌ كانَ المجالُ علميًا أو معرفيًا بقيت محصورةً في نطاق صغير جدًا من المهتمين، مقارنةً بالصورة الكبرى التي تتضمن المحتوى الشعبوي، وهي المعنى الحرفي للكارثة.
محاولات كارثية سيئة جدًا لتقليد ما نجح في الغرب ومجاراة &ldquoالتريند&rdquo، ادّعاء أشياء غير موجودة بهدف الظهور بمظهر &ldquoاليوتيوبر الكول&rdquo، لكن الصورة الواقعية تبدو لي أشبه بمن قام برش العطر فوق القذارة.
لست أختلف مع أحد بأنَّ هدف يوتيوب الأساسي هو الترفيه، وهو الشيء الأساسي الذي يبحث عنه الناس للهرب من ضغوطات الحياة اليومية، وأنا أيضًا من أنصار مقولة إن لم يعجبك المحتوى لا تشاهده وخلصنا، ولكن أن يكون المحتوى السيّئ سيئًا وليس ترفيهيًا، بل ويصبح كثيرًا من حيث الكمية إلى حدِّ الإغراق، وشائعًا لدرجة أنَّه يؤثّر على الذوق العام بهذا الشكل، خاصةً لجيل وُلِد وفي يده &ldquoآيباد&rdquo، فهذه كارثة حقيقية يجب الانتباه إليها قبل فوات الأوان إن لم يكن قد فات بالفعل، فالكثيرُ من الأطفال واليافعين اليوم يستهلكون هذا المحتوى، ويتأثرون به، ويصبح جزءًا من ثقافتهم، بل ويحاولون تقليده أيضًا، ومنهم من يقوم بدوره ويفتتح قناة يوتيوب ويساهم في نشر المحتوى التافه، ويحصد منه الأرباح.
النقد والعتب وحتى الغضب هنا ليس على &ldquoاليوتيوبر&rdquo فقط، فهو في النهاية يريد الربح مثله مثل أيّ قناة تلفزيونية أُخرى (نعم كلّ شخص أصبح قناةً تلفزيونيةً ومؤسسةً إعلاميةً قائمةً بذاته) ولو لم يكن المشاهدُ مستمرًا في الإقبال على هكذا فيديوهات لما استمرَّ أحد في إنتاجها، ولكن يبدو أنَّ المشكلةَ أكبر من المحتوى بكثير، ويبدو فعلًا أنَّ &ldquoالعيال يبون صامولي&ldquo.
ربما تحتاج البرامج الكوميدية العربية إلى أكثر من مقال للحديث عنها بتفصيل أكبر، فهي كارثة داخل الكارثة، فعدد &ldquoالبرامج الكوميدية&rdquo التي تظهر يوميًا كبير جدًا، والنوع السائد هو التعليق على فيديوهات أُخرى أنتجها أشخاصٌ آخرون، سواءٌ كانت تلفزيونية أو على يوتيوب نفسه لصُنّاع محتوى آخرين. المهم هو أنَّ جُل الكوميديا في هذا النوع من البرامج اليوم هي الاستهزاء من الأشخاص، والتنمر على حجم أنف فلان، وشكل أذني فلان بشكلٍ مزعج جدًا.
ذاك اليوم رايح للبقالة &ndash دقت عَلّي الشغالة.
قالت ماما كلام جيب صامولي &ndash قلت حضرو الجبن عشان تحطولي.
كشخص نشأ في تسعينات القرن الماضي، نعم تعجبني موسيقى الراب الغربية، وأستمع إليها دائمًا، ومن الجيد أن نرى محاولات لصناعة موسيقى جديدة في المنطقة، خاصةً كنمط موسيقي يعتمد في على الكلام والقوافي الكثيرة كما العصر الذهبي لهذا النوع الموسيقي الذي كان في فترة التسعينات.
ولكن ما يحدث الآن، أنَّ شخصًا ليس له علاقة بمهنة الخبّاز لا بقريب ولا من بعيد أصبح يدّعي أنَّه خبازٌ ماهرٌ، وأصدقاؤنا اليوتيوبرز ينتجون &ldquoأغاني راب&rdquo خالية من الموسيقى تقريبًا ما عدا بضع ضربات إيقاع مزعجة وغالبًا مسروقة، وكلام مؤذي للأذنين لا يحمل أيّ قيمة مضافة ولا غير مضافة لك كمستمع أو مشاهد لفيديو. المشكلة أنَّ ذلك في النهاية بشكل يحصد مشاهدات، بل الكثير من المشاهدات.
 
وكلما كان العنوان يدل على قوة &ldquoالمقلب&rdquo في الداخل، والصورة الرمزية تدل على ذلك كلما زاد عداد المشاهدات، يمكن أن يكون المقلب أن يخبر أحدهم أهلك بأنَّ سيارة قد دهستك، ومن ثم تصورهم وهم قادمون، ووجوههم المليئة بالخوف والرعب بعد أن تخبرهم بأنَّك كنت تمازحهم&hellip مضحك جدًا أليس كذلك؟
ما زال هذا النوع من الفيديوهات دارجًا إلى اليوم، وما زال الإخوة اليوتيوبرز يبهروننا يوميًا بما يمكن للعقل البشري أن يصل إليه من أفكار خرندعية.
لو خيروك أن تلحس قاعدة المرحاض، أو أن تشرب بنزين سيارة فما الذي ستختاره؟ لو خيروك أن تشرب دم أو أن تحلق حواجبك؟  لم أختلق هذا العنوان لأُسيء لأحد&hellip بل إنَّ أحدهم اختاره بنفسه وقام بتنفيذه بغرض الحصول على المزيد من المشاهدات، وقد حصل على ما يريده بالفعل، ووصل عدد مشاهدات الفيديو إلى مليون مشاهدة.
السكينة النارية تتحدث عن نفسها، وكنصيحة إضافية لزيادة المشاهدات في هذا الموضوع بالذات، فإنَّ عددَ المشاهدات يزداد بازدياد أهمية ما ستقطعه باستخدام السكينة النارية، وارتفاع درجة حرارة السكينة، شاهد الآخرين كيف صنعوها، ولا تقم بذلك على الإطلاق&hellip أرجوك&hellip أتوسل إليك عزيزي القارئ!!