التسلط العسكري في العصر العباسي

الكاتب: سامي -
التسلط العسكري في العصر العباسي
تسلط العسكريين في عهد الخليفة المعتصم:
تسلط العسكريين في عهد الخليفة الواثق:
تسلط العسكريين في عهد الخليفة المعتصم:

 

اختلف المؤرخون القدامى في أول من استخدم الأتراك في الإدارة والجيش العباسي، فالجاحظ يشير إلى استخدامهم قبل عهد المعتصم. إلا أنه يعزو استخدامهم إلى المعتصم فيقول: (أشهد أنَّ المعتصم كان أعرف الناس بهم حين جمعهم واصطنعهم). أما الثعالبي فإنه يُعد المنصور أول من استخدم الأتراك، أما اليعقوبي فيرى أنَّ المأمون هو البادئ باستخدامهم، على حين يرى المسعودي أن المعتصم هو الذي استكثر منهم كونه يُحب جمع الأتراك وشرائهم من أيدي مواليهم، أما المؤرخون المحدثون فإن أكثرهم يعزو سياسة استخدام الأتراك إلى الخليفة المعتصم.

 

هناك روايات مبعثرة تذكر جملة حوادث تؤكد استخدام الأتراك قبل عهد الخليفة المعتصم بكثير ومنذ عهد الخليفة المنصور، الذي استعان بهم في مهمات كثيرة، وللأتراك دور في القضاء على حركة عبد السلام اليشكري في عهد الخليفة المهدي، أما في عهد الرشيد فهناك إشارات إلى استخدام الأتراك في الجيش والإدارة أيضاً، وقد اشترك الأتراك في الحرب الأهلية بين الأمين والمأمون وتأييدهم لأحد الطرفين ضد الآخر، وفي رواية أنَّ المأمون أمر أخاه المعتصم بشراء الأتراك، ويذكر اليعقوبي أنه اجتمع له منهم زمن الخليفة المأمون زهاء ثلاثة آلاف مقاتل.

 

وعندما ذهب المعتصم إلى مصر بعد تعيينه والياً على الشام ومصر كان معه أربعة آلاف مقائل من هؤلاء الأتراك، وكان قسم من هؤلاء الأتراك في حرس الخليفة المأمون، ولمّا جاء المعتصم إلى الخلافة، وكان أعرف الناس بهم، ولكونه رجلاً عسكرياً، لذلك تستكثر في شرائهم، فضلاً عن الحاجة إلى تطعيم الجيش العباسي بقوة ضاربة جديدة وكان أغلب هذه القوة الجديدة من بلاد ما وراء النهر.

 

ومع ذلك فإن المعتصم شكل فرقة من العرب أيضاً، ففي رواية أنَّ المأمون ضم إلى جيش أخيه أبي إسحاق (المعتصم)، الثوار من القيسية في أرمينية، وفرض لهم، وكذلك ضم إليه فرقة أخرى بقيادة خالد بن يزيد الشيباني، مع عشيرته وخلف عظيم من ربيعة، فضلاً عن تشكيل الخليفة المعتصم، في فرقة جديدة من العرب اليمانية والقيسية، من الذين استقروا شمالي أفريقية بعد الفتوحات، وأطلق عليها اسم (المغاربة)،وأسكنهم في سامراء عند بنائها، مما يدل على أهميتهم في تلك الفترة.

 

من كل ذلك يتضح أنَّ الخلافة العباسية كانت دوماً بحاجة إلى تطعيم الجيش بقوة ضاربة سواء من العرب أو من غيرهم، ولم تكن العناصر الجديدة الأعجمية في الجيش سوى موالي للخليفة، تضع الولاء للخلافة العباسية فوق كل اعتبار، فضلاً عن قوة شخصية الخلفاء العباسيين الأول بحيث استطاعوا أنّ يُحدوا من أطماع أو أي تطلع لأي قائد عسكري، مهما كانت منزلته فمثلاً عندما قضى الأفشين على حركة بابك الخرمي كرمه الخليفة، يقول الطبري: (فتوج المعتصم الأفشين وألبسه وشاحين بالجواهر). ووصله بعشرين مليون درهم، إلا أنَّ الخليفة أمر بتصفيته عندما أحس منه تطلعات أو أطماع كما لاحظنا ذلك في فصل سابق.

 

وقد بدأت خطورة الجند التركي منذ وقت مبكر، فقد اشترك بعضهم في مؤامرة العباس بن المأمون في الجبهة البيزنطية لاغتيال الخليفة المعتصم، وقد انكشفت المؤامرة وقبض على المتآمرين وقتل باقي القواد ومن لم يحفظ أسمه من الأتراك والفراغنة.

 

تسلط العسكريين في عهد الخليفة الواثق:

 

وفي عهد الخليفة الواثق بدأت هذه العناصر تتبوأ مناصب إدارية فضلاً عن المناصب القيادية، فعين الواثق أشناس التركي والياً على الأقاليم من غرب العراق إلى إفريقية، وأرسل أشناس عماله إلى تلك الأقاليم، وتوجه وألبسه وشاحين بالجواهر، أما إيناخ التركي فعينه على كور دجلة والسند، ويفهم من الطبري أنه كان والياً على اليمن أيضاً، وعند وفاة أشناس جعل مرتبته وأكثر أعماله إلى إيناخ التركي، أما وصيف التركي فإن الخليفة كرمه عند قضائه على حركات الأكراد في إقليم فارس والجبال وقلده سيفاً.

 

كانت أول بادرة لتدخل كل العسكريين فيما يتعلق بأمور السياسة عند وفاة الخليفة الواثق، الذي لم يٌعالج مشكلة ولاية العهد معالجة حكيمة، فقد توفي ولم يعهد بالخلافة إلى أحد بعده، فكان مجيء أخيه جعفر (المتوكل)، يترشح ومساندة القادة العسكريين، إيتاج ووصيف وبغا الشرابي، وبذلك فتح الباب أمامهم للتدخل في شؤون سياسية بعيدة عن اختصاصهم، فضلاً عن ظهور بوادر جديدة وهي اعتراض الجند على توزيع الأرزاق، ومطالبتهم بالمساواة فعندما اختير المتوكل للخلافة أمر للفرق العسكرية من الأتراك والشاكرية، والهاشميين برزق ثمانية أشهر، إلا أنه أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر، فاعترض هؤلاء ورفضوا أن يقبضوا الرزق (العطاء)، وبعد مفاوضات وتوسط القائد وصيف أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك.

 

أدرك المتوكل خطورة تدخل هؤلاء العسكريين، فاتخذ عدة إجراءات للحد من سيطرتهم، فانتهز أول فرصة وتخلص من القائد إيناخ عند رجوعه من الحج، وصودرت أمواله وضياعه، في الوقت الذي كان في أوج قوته لكونه يشرف على الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة.

 

وفي عام(243 هجري)، انتقل الخليفة إلى دمشق حتى يبتعد عمن يحيط به من العسكريين، وكان ينوي اتخاذها عاصمة وينقل الدواوين إليها، إلا أنَّ ضغط العسكريين أدّى إلى أنّ يصرف النظر عن مشروعه ويعود إلى سامراء.

 

ومن الإجراءات التي اتخذها المتوكل للحد من نفوذ العسكريين قيامه بتشكيل فرقة عسكرية جديدة باسم ابنه المعتز، وبرعاية الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان، تعدادها اثنا عشر ألفأ من العرب والصعاليك وغيرهم، وهي خطوة مهمة وأولية لتغيير الجيش القديم بجيش جديد لكن النتيجة، حيث استغل هؤلاء العسكريون الخلاف الذي دبَّ بين الخليفة المتوكل وابنه المنتصر، فتعاونوا فيما بينهم، ودبروا مؤامرة واغتيل الخليفة، وبذلك انتصر الجيش وبدأ يتحكم بالخلفاء فيما بعد.

شارك المقالة:
218 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع
youtubbe twitter linkden facebook