ما هي الحرب البولندية السوفيتية؟
الحرب البولندية السوفيتية (1919-1921): صراع على الهوية والحدود في قلب أوروبا
الحرب البولندية السوفيتية هي صراع عسكري دار بين الجمهورية البولندية الثانية وحلفائها من جهة، وروسيا السوفيتية وأوكرانيا السوفيتية من جهة أخرى. كان الهدف الأساسي للحرب هو السيطرة على الأراضي الشاسعة التي تُعرف اليوم بأوكرانيا وبيلاروسيا، والتي كانت تاريخيًا محل نزاع بين القوى الإقليمية.
أسباب الصراع وجذوره التاريخية
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تغيرت خريطة أوروبا بشكل جذري. فقد انهارت الإمبراطوريات القديمة (الروسية، الألمانية، والنمساوية-المجرية)، مما خلق فراغًا في السلطة وأشعل الصراعات بين الدول الناشئة حديثًا. في هذا السياق، كان لكل من بولندا وروسيا السوفيتية طموحات متضاربة:
-
طموحات بولندا: سعت بولندا، التي استعادت استقلالها للتو، إلى إعادة بناء "الكومنولث البولندي الليتواني" القديم. كان الهدف هو تشكيل اتحاد فيدرالي (يُعرف بـ "Intermarium") يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، ويضم دولًا مثل أوكرانيا وبيلاروسيا وليتوانيا. اعتبرت بولندا هذا الاتحاد حصنًا ضروريًا ضد التوسع الإمبريالي الألماني والروسي في المستقبل.
-
طموحات روسيا السوفيتية: من جانبها، كانت روسيا السوفيتية، بقيادة البلاشفة، تسعى إلى تصدير الثورة الشيوعية إلى بقية أوروبا، خاصة إلى ألمانيا التي كانت تشهد اضطرابات عمالية. كانت بولندا تمثل "الجسر" الذي يجب عبوره لتحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى رغبة السوفييت في استعادة الأراضي التي فقدتها الإمبراطورية الروسية.
كانت أراضي أوكرانيا وبيلاروسيا هي ساحة الصراع الرئيسية، حيث رأى كل طرف أنها جزء لا يتجزأ من مجاله الحيوي.
مراحل الحرب الرئيسية
-
التقدم البولندي الأولي (1919): مستغلة انشغال الجيش الأحمر السوفيتي بالحرب الأهلية الروسية، بدأت القوات البولندية بالتقدم شرقًا، وتمكنت من السيطرة على أجزاء واسعة من غرب أوكرانيا وبيلاروسيا.
-
الهجوم السوفيتي المضاد (1920): بعد حسم الحرب الأهلية لصالحه، شن الجيش الأحمر هجومًا مضادًا واسع النطاق. تمكنت القوات السوفيتية من دحر البولنديين والتقدم بسرعة نحو العاصمة البولندية وارسو. أثار هذا التقدم السريع مخاوف كبيرة في أوروبا الغربية من اجتياح شيوعي وشيك.
-
معركة وارسو "معجزة على نهر فيستولا" (أغسطس 1920):
عندما بدا أن سقوط وارسو أصبح وشيكًا، تمكنت القوات البولندية، بقيادة المارشال يوزف بيوسودسكي، من تنفيذ مناورة عسكرية جريئة. نجح البولنديون في تطويق القوات السوفيتية المهاجمة وإلحاق هزيمة ساحقة بها، في حدث يُعرف تاريخيًا بـ "معجزة على نهر فيستولا". -
نهاية الحرب وتوقيع السلام:
بعد الهزيمة في وارسو، اضطر الجيش الأحمر إلى التراجع. استمرت المعارك لفترة، لكن الطرفين كانا منهكين. وفي مارس 1921، تم توقيع معاهدة ريغا للسلام، التي أنهت الحرب رسميًا. وبموجب المعاهدة، تم تقسيم الأراضي المتنازع عليها، حيث حصلت بولندا على أجزاء كبيرة من غرب أوكرانيا وبيلاروسيا، بينما احتفظ السوفييت بالجزء الشرقي.
نتائج الحرب وتأثيراتها
-
تأمين استقلال بولندا: ضمنت الحرب استقلال بولندا لمدة عقدين من الزمن، وأوقفت المد الشيوعي نحو أوروبا.
-
تقسيم أوكرانيا وبيلاروسيا: بقيت هذه الأراضي مقسمة بين بولندا والاتحاد السوفيتي حتى بداية الحرب العالمية الثانية.
-
تأثير طويل الأمد: تركت الحرب إرثًا من العداء وعدم الثقة بين بولندا وروسيا، وهو ما استمر لعقود طويلة وأثر على العلاقات بين البلدين.